بحث هذه المدونة الإلكترونية

2013/03/14

أربعون مرت والبلاد تضيق بنا

أربعون يوما بالتمام والكمال وأنت ترقد في قبرك العالي عند ربوة العظماء تنظر إلينا من شرفتك المزهرة بأكاليل الربيع المنحني على هامتك... أربعون ليلة وأنت تخيط كفن الليل الموحش بابتساماتك المضيئة عساك تُنير درب رفاقك وهم يترقبون أخبار الساعة الثامنة من السيدة التي توشحت بالألوان المزيفة... أربعون يوما وليلة تقضيها في انتظار قطار الدرجة الثانية الذي قد يقل شعبك من محطة حكومات الالتفاف على الثورة إلى محطة الربيع التونسي... بعدك هطل المطر غزيرا فوق الجبال وتحت أكواخ المفقرين ولم يظهر قاتلك... بعدك أيضا سطعت الشمس على شوارعنا وأزقتنا وثقبت أشعتها نوافذ المستكرشين... ولم نلمح خطى الغادر بعدُ... أزهر لوز الربيع فوق ارض المتعبين، وتتالت ألوان البساتين على الربوع التي حفظت خطاك... ولم يأت بعد الربيع الذي اشتهيته واشتهيناه... أربعون مرت وأنت في عيدك متسربل بالشموخ تنتظر رفاق لك عاهدوك على الموت وقوفا... أربعون مرت وهم في مجلسهم يتناوبون على قارعة اللغة ليتمرغوا في أوحال الهزائم المتكررة وبأس الكلام المجروح من الوريد إلى العنق... أربعون مرت بعدك والحرائق تسري من سيدي بوزيد إلى قلب المسرح البلدي... والفتيل هو هو... التهميش والتفقير... ومركز الحروق البليغة... أربعون مرت دونك وأروقة المحاكم تكتظ بصمت مطرقة العدالة، يفتحون الملفات على شاشات التلفزات ليركنوها في ذاكرة الدهاليز المظلمة... أربعون مرت دونك وشبح "الرئيس" يبحث عن خيال يليق به بين جنبات القصر العريض... ومع أنياب الأصدقاء المتخفين في جبة النفاق الوطني... أربعون مرت بعدك والرصاصات الغادرة تسافر من بلد إلى آخر، وتخرج من جحر لتدخل آخر وهي تتستر بخطب الدجل السياسي على أرصفة شوارع الدولار المغمس برائحة البترول... أربعون يوما طوتها الحناجر وهي تلقي سؤالها "شكون قتل شكري" على جدران وزارة الداخلية وما من مجيب خلف ستائر النوافذ العالية... أربعون مرت ونحن في "شرك" مبين من حكومة إلى أخرى لم تتحرك قيد أنملة عن مونبليزير وليلها الطويل... أربعون مرت والعد التنازلي في صعود مستمر لكل الأحلام التي كنا مدججين بها، بعد أن ضاقت "جبة القرضاوي" بما "منته على ثورتنا الكئيبة... وبعد إن تم القبض على "بوصلة" الحريات في إحدى استوديوهات الجزيرة القطرية... أربعون مرت والبلاد تضيق بشعب مهزوم في آماله وأحلامه... والبلاد تتضاءل تحت "شرعية" الحزب... وتسير مسرعة ليجعلوها خيمة بدوية بأوتاد وهابية... أربعون مرت وهم يرفعون الأسوار عالية أمام "ديقاج" الفقراء ويرتبون تفاصيل الليلة الأخيرة بفائض من التثعلب السمج... أربعون مرت وأنت "مسجى" في قلب الربيع... في قبرك المُزهر بنواقيس حرائر تونس وأحرارها... أربعون مرت ونحن كما نحن لم نختلف عن دربك الذي هو دربنا نراه قريبا منا... نرى ضوء الحياة والحرية يقترب منا... واليوم وغدا وكل أربعاء ستكون أخبارنا بين يديك أولا بأول... فلتنم في قبرك العالي عند ربوة العظماء وانتظرنا في شرفتك المزهرة بأكاليل الربيع المنحني على هامتك...