بحث هذه المدونة الإلكترونية

2013/01/29

الأعراف ومؤتمر استعادة الثقة

في ذكرى انبعاثها السادسة والستين، أنجزت منظمة الأعراف مؤتمرها الوطني العادي الخامس عشر، وانبثقت قيادة جديدة اجمع كل المراقبون والملاحظون أن ديمقراطية الصندوق وشفافيته كانت الفيصل بينها وبين باقي المترشحين الذين بلغ عددهم 170، لتدخل بذلك هذه المنظمة الوطنية مرحلة الشرعية الانتخابية بعد أن عاشت لأكثر من سنتين فترة عصيبة وحرجة غذتها التجاذبات ومحاولات إرباك مسار "التصحيح" من الداخل. وقد لا يعرف الكثير من التونسيين أن فكرة تأسيس اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية تعود إلى الزعيم الوطني والنقابي خالد الذكر فرحات حشاد، عندما دعا إلى بعث ما سماه "شقيق الاتحاد العام التونسي للشغل" مباشرة بعد تأسيس المنظمة الشغيلة إيمانا منه بأن بناء تونس لا يكون إلا بتعاضد العمال وأرباب العمل... فتأسس اتحاد نقابات الصنايعية وصغار التجار بالقطر التونسي يوم 17 جانفي 1947 ليرسم ملحمة نضالية خلال الحقبة الاستعمارية ويمهد لبناء اقتصاد تونسي... كما أن التاريخ يذكر أن مواقف منظمة الأعراف كانت في مجملها مساندة للاتحاد العام التونسي للشغل خاصة في الأزمات المفصلية، رغم أن السلطة سعت بكل الطرق إلى تعميق الهوة بين المنظمتين لإضعافهما وبالتالي السيطرة والهيمنة عليهما... ولعل آخر المواقف المساندة من منظمة الأعراف للاتحاد العام التونسي للشغل تلك التي عبرت عنها السيدة وداد بوشماوي اثر الاعتداءات الهمجية على بطحاء محمد علي يوم 4 ديسمبر 2012... السيدة وداد بوشماوي التي غامرت ودخلت معترك "افتكاك" الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية من يد السلطة التي احتكرتها لعقود طويلة، وكابدت من أجل رأب كل تصدع قد يطال منظمتها، اختارها صندوق الاقتراع لتكون أول امرأة في تونس والوطن العربي رئيسة لمنظمة وطنية بحجم الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، وهي امرأة جديرة بهذه المسؤولية لمَ اتسمت به من رباطة جأش وعزم وصبر على ما طالها من حملات الإساءة والتشويه، وأيضا لمواقفها القائمة على تغليب صوت الحكمة والحوار والتعقل. ولا يختلف عاقلان في أن داخل كل منظمة تتواتر الخلافات والانقسامات وتختلف الرؤى والتوجهات، ولكن تبقى بالأخير شأنا داخليا، فأهل مكة أدرى بشعابها، ولم تكن منظمة الأعراف بمنأى عن هذه الخلافات التي تفاقمت خاصة في السنتين الأخيرتين، غير أن حسن إدارة الخلافات مكنت أبناء المنظمة من تجاوز محنتهم فارتفع صوت التوحيد على محاولات التفريق ليكون التتويج بمؤتمر ديمقراطي سيعزز عودة الثقة إلى نساء ورجال الأعمال الوطنيين ليضطلعوا بمهمة النهوض بالاقتصاد التونسي خاصة أن كل المؤشرات تدفع بهذا الاتجاه ومنها أساسا الاستماتة في الدفاع عن استقلالية المنظمة من كل غطاء سياسي، وتأسيس علاقة شراكة مع الاتحاد العام التونسي للشغل قوامها الحوار المتواصل والجدي خاصة بعد إمضاء العقد الاجتماعي الذي من شأنه أن يدفع بتونس إلى بلوغ دولة الرفاه الاجتماعي في المستقبل، وقد يكون هذا المستقبل قريبا عندما "تقتنع" السلطة، أي سلطة، بعدم التدخل في المنظمات الوطنية والتعامل معها على قاعدة الحوار البناء والتشاور في أخذ القرارات وعندما تضطلع الدولة بدورها في توفير الأمن والاستقرار وكل الشروط التي تشجع أصحاب العمل على الاستثمار لتكون المردودية الإنتاجية في صالح العمال وعموم التونسيين. بعد هذا المؤتمر الناجح والمفصلي تبقى انتظارات العمال والشغالين من منظمة الأعراف كبيرة خاصة في ضمان حقوقهم وتوفير شروط العمل اللائق واحترام الحق النقابي، وتحلي أرباب العمل بالشجاعة والجرأة في الاستثمار للمساهمة في حل قضايا التنمية والتشغيل والقطع مع عقلية الاستئثار بالحوافز والامتيازات لأن المرحلة تقتضي التضحية والتنازل لفائدة تونس.

بعد أن أعادت ترتيب البيت، وبعد 66 سنة أول امرأة تترأس منظمة الأعراف في تونس والوطن العربي السيدة وداد بوشماوي رئيسة منظمة الأعراف في حوار للشعب:

من غير المقبول أن تعود منظمتنا إلى مربع الخضوع والهيمنة الحزبية غياب الأمن عدو الاستثمار الرئيسي اعتقد البعض أن توقيعنا على العقد الاجتماعي يدخل في باب الحملة الانتخابية الاستباقية قبل موفى فيفري سنزور ولاية سيدي بوزيد لا أستوعب كيف يمكن لصاحب مؤسسة أن يضمن تأمين مردودية شركته عندما تكون حقوق عماله مهضومة حوار ناجي الخشناوي تصوير: كريم السعدي فازت السيدة وداد بوشماوي بــ122 صوتا في المؤتمر الوطني العادي الخامس عشر للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية لتكون بذلك أول امرأة ترأس هذه المنظمة العريقة، وقد مثل مؤتمر يوم 17 جانفي 2013 "سابقة" في تاريخ هذه المنظمة لوضع وترسيخ لبنات الديمقراطية والشفافية من خلال تبني نظام أساسي جديد سيضمن التداول على المسؤولية وتوسيع التمثيل الجهوي والقطاعي، وكذلك بعد التخلي عن شرط الاقدمية في الانخراط مما فتح باب الترشح أمام كل راغبة وراغب في تحمل مسؤولية المكتب التنفيذي الوطني لمنظمة الأعراف. السيدة وداد بوشماوي، الرئيسة المنتخبة للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، استقبلتنا في مكتبها بمقر المنظمة أين خصتنا بهذا الحوار الذي تحدثت فيه عن "صراعات" ما قبل المؤتمر ومستقبل المنظمة في ظل رئاستها وتطرقت أيضا إلى طبيعة علاقة منظمة الأعراف بالمنظمة الشغيلة، وعن تهديدات الاقتصاد التونسي وإمكانات النهوض به. ـ بعد تقديم تهانينا بانتخابكم على رأس منظمة الأعراف في مؤتمركم الوطني العادي الخامس عشر، وقبل الخوض في تفاصيل المؤتمر ومستقبل عالم المال والأعمال في تونس، نود أن يعرف قراء "الشعب" حجم "المغامرة" التي خاضتها السيدة وداد بوشماوي على رأس هذه المنظمة في الفترة السابقة خاصة أن الظرف كان دقيقا واتسم بكثرة التجاذبات والحسابات؟ كانت فترة مخاض حقيقية، عاشت فيها منظمتنا مثل كل المنظمات الأخرى فترة طويلة من التوتر والارتباك. وبالفعل اعتقد أننا خضنا مغامرة حقيقية ولم يكن لنا سوى خيار وحيد وهو إنقاذ المنظمة، خاصة بعد استقالة السيد حمادي بن سدرين، وكان الرهان جسيما، ولا أخفيك سرا أني لم أتصور يوما أن يكون لي كل ذاك الصبر طيلة سنتين تقريبا، ولكن إيماني بقدراتي وثقتي في نفسي كانت تدفعني إلى الأمام خدمة لصالح المنظمة، ولا أنسى طبعا التعاون الذي لقيته من كل الزميلات والزملاء ومن الإداريين في المنظمة الذين كنت أجدهم إلى جانبي خاصة عندما أصاب في بعض الأحيان بنوع من الإحباط وخيبة الأمل، خاصة عندما اشتدت حملات الانتقاد والتشويه والتجريح في شخصي، والتي لم تزدني إلا ثباتا وصمودا على مواقفي وقراراتي ـ نود لو نعود إلى بعض التفاصيل التي سبقت المؤتمر ومنها أساسا تنظيمكم مؤتمرا استثنائيا أواسط ديسمبر 2012 صادق على قانون أساسي جديد للمنظمة يمنع المترشحين للمكتب التنفيذي من تحمل مسؤولية قيادية سياسية، فهل كان لهذا القانون الدور الايجابي في فوزكم بثقة المقترعين؟ منذ البداية تمسكنا بضرورة أن يكون الاتحاد محايدا وعلى مسافة من كل القوى والحساسيات السياسية والحزبية، خاصة أن كل اللوم كان يتوجه للمنظمة باعتبارها عاشت عقودا من هيمنة السلطة الحاكمة، وبالفعل أجمع كل المنخرطين في المنظمة على استقلاليتها عن أي توجه سياسي، واللجنة التي أشرفت على القانون الأساسي أجمعت أيضا على ضرورة الفصل بين تحمل مسؤولية تنفيذية صلب المنظمة وتحمل مسؤولية حزبية في احد الأحزاب. طبعا المنظمة لا دخل لها في الانتماءات الحزبية والاختيارات السياسية لمنظوريها. ـ قبل انعقاد مؤتمركم، ظهرت كذلك بعض الإشكاليات منها بالخصوص رفع قضية استعجالية في حق بعض منخرطي المنظمة، إلى جانب الخلافات التي طرأت على المؤتمر الجهوي للمنظمة بصفاقس، وتهديد بعض المؤتمرين بالانسحاب من أشغال المؤتمر الوطني، فهل كان لهذه الإشكاليات انعكاس سلبي على مجريات وظروف سير أشغال مؤتمركم؟ في الواقع عديد قضايا والإشكاليات وللأسف كانت كلها تسعى إلى إرباك المنظمة، ودعني أقول إن من كان يختلق مثل تلك الإشكاليات هم الذين كانوا يعلمون أن الصندوق لن ينصفهم فاستباحوا كل الوسائل لضرب المنظمة، ومثلا ما حدث في صفاقس فقد بذلنا كل جهدنا وبمختلف الطرق سعينا إلى إحلال الوفاق وتجاوز الخلافات، ولكن كان هناك تعصب غريب وطغت الأغراض الشخصية على المصلحة العامة. اليوم، وبعد المؤتمر، اعتقد أن ما مررنا به صفحة من الماضي يجب أن نتجاوزها ونعمل على مزيد رص صفوف منظمتنا في ظل الشرعية التي تحققت بعد المؤتمر الذي كان ديمقراطيا بكل المقاييس وكانت الكلمة فيه للصندوق وحده. اليوم على طاولتنا عديد الملفات أهمها التشغيل والاستثمار ودفع نسق الاقتصاد التونسي حتى نخرج من عنق الزجاجة، وكذلك عدة إشكاليات أخرى أهمها مراجعة مجلة الاستثمارات وضرورة إيجاد الحلول العملية للاقتصاد الموازي القائم على التهريب، وضرورة تعزيز العلاقات الخارجية خاصة مع السوق المغاربية، وقد طالبنا أكثر من مرة بتفعيل "الخمس حريات" مع دول المغرب الكبير(حرية تنقل الأشخاص، حرية تنقل البضائع، حرية التملك، حرية الاستثمار) خاصة أن شريكنا الأساسي، أوروبا، يمر اليوم بوضع عصيب، وقد سبق أن طالبت بهذه الحريات سواء في ليبيا أو الجزائر أو المغرب وقد لقي الطلب صدى كبيرا لدى المستثمرين المغاربيين. ـ هل تعتبرين انتخابك بمفردك كإمرة في المكتب الوطني، يعود إلى تخلي المنظمة عن نظام التمييز الايجابي المعبر عنه بالكوتا؟ أول تخلينا عن نظام التمييز الايجابي هو تعبير منا عن الإيمان بقدرات وكفاءات كل شخص بغض النظر عن جنسه، ثم إن غياب حضور المرأة داخل المكتب التنفيذي لا يعني تقليلا من شأن المرأة في منظمتنا، بل بالعكس فنحن ـ لأول مرة في تاريخ المنظمة ـ لدينا امرأتان على رأس مكتبين جهويين، وفي كل التشكيلات القطاعية تحضر المرأة بصورة ايجابية، ثم إن تواجدي على رأس المنظمة يعني أني أمثل النساء والرجال على حد السواء دون تمييز. ـ لماذا قدمت ترشحك في آخر لحظة، رغم أن حظوظ فوزك كانت كبيرة؟ أولا القانون الداخلي للمنظمة يسمح لنا بتقديم الترشحات يوم المؤتمر. إضافة إلى أنني كنت أمام خيارين، إما أن اترك المنظمة بعد أن اجتهدت في ترتيب الكثير من الأمور داخلها، وإما أن أواصل العمل وبالتالي الترشح للمسؤولية، والاختيار كان صعبا، ولكن وجدت رغبة ملحة لدى عديد زميلات والزملاء كما أن لدي إحساس كبير بأن هناك ما يمكن إضافته لمنظمتي، رغم كل محاولات التشويه والإرباك التي طالت شخصي ومواقفي. ـ أمضيتم قبل أيام من انعقاد مؤتمركم على وثيقة العقد الاجتماعي مع الاتحاد العام التونسي للشغل والحكومة، فهل كان لهذه الخطوة الهامة الأثر الايجابي لدى منتسبي منظمتكم، أم أن المواقف متباينة بخصوص علاقة الأعراف مع الشغالين؟ النقطة الايجابية الأولى التي يجب أن نذكرها هو أننا غيرنا كليا علاقتنا بالاتحاد العام التونسي للشغل، حيث شكلنا لجنة مشتركة لمتابعة كل الإشكاليات التي تحصل بين الأعراف والعمال بصفة دورية ودائمة، في حين أننا في السابق كنا نلتقي مرة واحدة كل ثلاثة سنوات، ثم بدأنا نعمل على تحسين العلاقة الشغلية والمهنية والعمل اللائق، وخاصة في جانب التكوين، خدمة لمصلحة العامل ولصاحب المؤسسة سعيا إلى منوال تنمية جديد. النقطة الايجابية أيضا هو وجود مجلس وطني للحوار الدائم بين الحكومة ومنظمتنا واتحاد الشغل يقوم على مبدأ التشاور والحوار لتامين مناخ سليم من خلال ضمان حقوق العمال من جهة وتأمين مردودية ونجاعة المؤسسات الاقتصادية من جهة ثانية ولكن إجابة عن سؤالك، بالفعل في البداية اعتقد البعض أن توقيعنا على العقد الاجتماعي يدخل في باب الحملة الانتخابية الاستباقية، ولكن الآن اقتنع الجميع أن العقد الاجتماعي يخدم صالح المؤسسة لا الأشخاص. ـ هل تعتقدون أن العقد الاجتماعي سيكون الإطار المناسب لــ"تحسين" العلاقات بين مختلف قوى الإنتاج، وهل سيكون بداية الطريق نحو بلوغ دولة الرفاه الاجتماعي؟
بكل تفاؤل اعتقد أن العقد الاجتماعي أرضية حضارية مبنية على مبدأ التشاركية والتشاور والتحاور والأكيد أنها ستعطي أكلها في المستقبل بما يخدم مصلحة كل الأطراف وبالتالي المصلحة الوطنية. شخصيا لا استوعب كيف يمكن لصاحب مؤسسة أن يضمن ديمومة نشاطه وتأمين مردودية شركته عندما تكون حقوق عماله مهضومة. والأكيد أن مفهوم العدالة الاجتماعية يختلف حسب موقع كل واحد ولكن الثابت في تقديري الشخصي أن العمال وأصحاب العمل ليسوا في حرب دائمة. ـ كانت لكم منذ أيام قليلة، رفقة وفد منظمة الأعراف، عدة لقاءات واجتماعات هامة في باريس رفقة الأخ حسين العباسي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل ووفد المنظمة الشغيلة، في إطار الدعوة التي وُجهت إليكم من قبل نقابات الأعراف والعمال بفرنسا، فكيف تقيمون هذه المحطة، وهل ستمثل دفعا للديمقراطية الاجتماعية في تونس؟ بالفعل كانت زيارة مثمرة حيث تحادثنا حول التجربة التونسية الناشئة وخاصة العلاقة الجديدة بيننا وبين الاتحاد العام التونسي للشغل، وكانت فرصة لتبادل التجارب والخبرات، وفي المقابل أبدى الطرف الفرنسي من ممثلي العمال وممثلي أصحاب العمل ابدوا "انبهارا" بتجربتنا التونسية، خاصة أنها الأولى في العالم العربي، كذلك كانت فرصة لنا جميعا للوقوف على "الحوكمة الرشيدة" والاستفادة منها هنا في تونس في مستوى العلاقات الشغلية والمهنية، وأيضا في مستوى صناديق التامين والتقاعد... وستكون لقاءاتنا متواصلة في المستقبل وسنسعى لأخذ ما يمكن من ايجابيات التجربة الفرنسية. ـ الوضع السياسي العام في البلاد مازال متعثرا وأزماته متكررة، وقد سبق للاتحاد العام التونسي للشغل أن قدم مبادرة وطنية للحوار، وسبق لك أنت أن ثمنت هذه المبادرة وكانت مشاركتك فعالة في افتتاحها، غير أن بعض الأطراف تجاهلت المبادرة وضربت إمكانية الوفاق الوطني وهو ما أوصلنا اليوم إلى وضع لا نُحسد عليه، فكيف ترون هذه السياسة القائمة على التفرد بالرأي؟ نحن باركنا مبادرة الاتحاد خاصة أنها كانت مترفعة عن كل الحسابات السياسية، وهي مبادرة أتت في وقتها خاصة عندما تأزمت الأمور سياسيا واقتصاديا وامنيا وتوقف الحوار بين الأطراف السياسية. ولكن مع الأسف لم تأخذ مبادرة الاتحاد حقها من طرف بعض الأحزاب التي تجاهلتها، واعتقد أننا اليوم بلغنا مرحلة جد متأزمة، غياب كلي للتنمية وبطء غير مفهوم لنسق الاستثمار، والأمن يتدهور بشكل مخيف مما اثر سلبا على صورة تونس داخليا وخارجيا، السياحة أيضا تراجعت بشكل مخيف، إلى جانب المطالب الاجتماعية المتكاثرة وأعمال الحرق وقطع الطرق والاعتصامات الفوضوية كلها تجعلنا أمام خيار واحد وهو الحوار الجدي بين كل الأطراف ووضع خارطة طريق واضحة المعالم. ـ طالبتم مرارا، سواء من خلال لقاءاتكم برئيس الحكومة المؤقتة أو بالوزراء، بضرورة سن قوانين بسيطة وسهلة التطبيق لتشجيع المستثمرين التونسيين والأجانب لخلق مواطن الشغل وفتح المؤسسات، فهل هناك خطوات ايجابية نحو تبسيط المنظومة التشريعية والقانونية للمستثمرين؟ في الحقيقة هو ليس مطلبا لتبسيط القوانين وإنما طالبنا بضرورة تشريكنا في مجلة الاستثمارات، وخاصة فيما يتعلق بالتشجيع على الاستثمار في الجهات الداخلية، وأيضا طالبنا بالمشاركة في قانون المالية، قدمنا مقترحاتنا مثلا في قانون المالية خاصة فيما يخص الشركات المصدرة ومدة تمتيعها برفع الأداءات عنها، إلى جانب بعض القوانين الأخرى. أيضا من المشاكل العويصة اليوم أن الدولة وان قدمت الامتيازات للمستثمرين فان ما يعيق تقدم المشاريع هو المشاكل العقارية وبعض القوانين والبيروقراطية الإدارية خاصة في المناطق الداخلية، كما أن الدولة من واجبها أن تعتني وتهيئ البنية التحتية بالمناطق الداخلية حتى يجد المستثمر كل الظروف الملائمة لانجاز وإنجاح مشروعه. ـ أعلنتم أن أول زيارة ميدانية للمكتب التنفيذي المنتخب لمنظمتكم ستكون إلى ولاية سيدي بوزيد؟ فهل لنا أن نطلع على موعد هذه الزيارة؟ في انتظار توزيع المسؤوليات بين الأعضاء الفائزين، ستكون أول زيارة يقوم بها المكتب التنفيذي المنتخب إلى ولاية سيدي بوزيد، وسيكون أيضا للمكتب التنفيذي زيارات ميدانية إلى مختلف ولايات البلاد، والثابت أن قبل نهاية شهر فيفري القادم ستكون زيارتنا إلى سيدي بوزيد. ـ كيف ترون مستقبل الاقتصاد في تونس أمام محاولات "أسلمته" والتي بدأت تتجلى خاصة في مستوى المعاملات المالية والقروض؟ الصكوك الإسلامية والمعاملات البنكية الإسلامية موجودة حتى في أوروبا وليست أمرا غريبا، واعتقد أن المعاملات المالية هي بالأخير تخضع إلى منطق الربح والخسارة دون سواها أما باقي العناوين الأخرى فهي تدخل في باب "المزايدات السياسية" وشخصيا ما يعنيني هو أن يكون للاقتصاد انعكاس ايجابي على نمط عيش المجتمع التونسي. ـ سبق أن وعدتكم الحكومة المؤقتة وخاصة وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية بحسم ملف رجال الأعمال الممنوعين من السفر والذين يبلغ عددهم 460 اسما، وكنتم أثناء هذا المؤتمر قد أثرتم هذه المسالة في حضور رئيس الحكومة المؤقتة فما جديد هذه الملف؟ إلى الآن لا يوجد أي رقم صحيح، لكن رئيس الحكومة المؤقتة قال للصحافيين بعد كلمته الافتتاحية في مؤتمرنا، أن العدد لا يتجاوز 50 اسما. وشخصيا سبق لنا أن اعتبرنا أن هذه الطريقة مهينة وسيئة لصورة تونس، ودائما ما نطالب بضرورة أن يأخذ القضاء مجراه الطبيعي في حق من أجرم أو أذنب في حق الشعب التونسي بعيدا عن التوظيف السياسي خاصة أن الفترة طالت وقاربت السنتين. كما أن هناك عديد الإجراءات التحفظية الأخرى بدل المنع السفر يمكن اتخاذها. ـ كيف ترون انعكاسات الأحداث الأمنية الأخيرة، وطنيا (الأسلحة المهربة والتهديدات بالقتل) ودوليا (التدخل العسكري الفرنسي في مالي)، كيف ترون انعكاساتها على المستوى الاقتصادي وخاصة من حيث الاستثمار؟ المشاكل الأمنية كلها لا تخدم إلا الفوضى وعدم الاستقرار، وهي تضرب في العمق سيرورة الانتقال الديمقراطي ولذلك نطالب دوما بالصرامة الأمنية خاصة في مستوى الحدود التونسية مع دول الجوار، مع تكثيف المراقبة الجمركية، فاليوم بات المهربون يمررون الأسلحة والذخائر والمخدرات مع مواد التغذية. وطبعا غياب الأمن هو العدو الرئيسي للاستثمار سواء الوطني أو الأجنبي. ـ كيف ترون مستقبل الديمقراطية والسلم الاجتماعي أمام تكرر الاعتداءات التي باتت تتعرض لها مكونات المجتمع المدني والسياسي والإعلاميين والحقوقيين من قبل ما يُسمى "روابط حماية الثورة"؟ وهي التي باتت تستهدف اليوم عديد رجال الأعمال والمؤسسات الاقتصادية؟ اعتقد انه لا مجال لأحد كائن ما كان أن يأخذ موقع السلطة ومؤسسات الدولة فوحدها الكفيلة بضمان الأمن والاستقرار وتسيير شؤون المواطنين. ـ عانت المنظمات المهنية في السابق من تدخل السلطة والحزب الحاكم في قراراتها مما أثر على استقلاليتها فهل حدد مؤتمركم مسافة من الأطراف السياسية والسلطة؟ كنت واضحة منذ البداية في حسم هذه المسألة، ولا رجعة في هذا القرار، فغير مقبول اليوم أن تعود منظمتنا إلى مربع الخضوع والهيمنة الحزبية لا من هذا الحزب ولا من ذاك. مهمتنا أن ننهض باقتصاد البلاد وان ندفع عجلة الاستثمار ونساهم في خلق مناخ السلم الاجتماعي سواء حكم اليمين أو حكم اليسار. ـ هل ترون، مثلما يرى الاتحاد العام التونسي للشغل نفسه، أن لكم دورا وطنيا في أبعاده لا فقط الاقتصادية وإنما أيضا الاجتماعية والسياسية والثقافية يجب أن تضطلعوا به؟ بطبيعة الحال، نحن لسنا منظمة مهنية صرفة، بل إن أكثر فئة تساهم في العمل الاجتماعي والثقافي هم رجال الأعمال ونساؤه وهو واجب وطني، ولكن المساهمات غالبا ما تكون في الخفاء وبعيدا عن الأضواء فنحن بشر قبل أن نكون مستثمرين، نتألم لآلام غيرنا ونفرح لأفراحه. وربما خير دليل على ما نقوم به في الجانب الاجتماعي ما قدمه عديد المستثمرين في أزمة اللاجئين على الحدود التونسية الليبية في فترة الثورة الليبية، أيضا في فترة الظروف المناخية القاسية في الشمال الغربي وتحديدا بعين دراهم وجندوبة، والأكيد أن هذا البعد الاجتماعي والثقافي سيكون أكثر إشعاعا في الفترة المستقبلية للمنظمة.