بحث هذه المدونة الإلكترونية

2012/12/24

التحوير الوزاري والمحاصصة الحزبية

لم يعد خافيا على أحد أن "تنصيب" و"تعيين" الوزراء لم يعد خاضعا لمبدأ المسؤولية بقدر ما ارتبط بالمحاصصة الحزبية وبتوزيع الحقائب حسب الولاءات، والتعامل مع هذه المسؤولية بمنطق الغنيمة، كما أن عملية التحوير الوزاري باتت تشبه البالونة الفارغة ما أن تحدث أزمة في البلاد إلا وتطفو من جديد معلومات تفيد بأن تحويرا وزاريا مرتقبا سيتم الإعلان عنه وهو ما يحدث هذه الأيام... ولئن طالبت عديد الأحزاب والشخصيات السياسية ومنظمات من المجتمع المدني بضرورة تقليص العدد الكبير للوزراء والمستشارين، إلا أن دعواتهم ذهبت أدراج الريح، غير أن الخطاب الأخير للرئيس المؤقت عقب أحداث سليانة الأليمة، الذي دعا فيه إلى تقليص عدد الوزراء أثار جملة من الردود التي انسجمت تقريبا كلها حول ضرورة تقليص العدد واختيار الكفاءات وتحييد وزارات السيادة، وظلت حركة النهضة بمفردها "مستنفرة" من خطاب رئيس الجمهورية، هذا فضلا عن أن رئيس الحركة لا يتوانى في كل مرة على التصريح لوسائل الإعلام بموعد "افتراضي" لتحوير وزاري مرتقب... ولكن قبل هذا التحوير الوزاري الذي لم يحصل بعد، انتظر جزء كبير من الشعب في أكثر من مرة أن يُعلن وزير ما عن استقالته مثلما يحدث في الأنظمة الديمقراطية، أو تتم إقالة وزير ما "تخاذل" في أداء واجبه الوزاري مثلما تقتضي ذلك أيضا الشروط الدنيا للديمقراطية، غير أن مثل هذه القرارات لم تكن واردة بالمرة في التوجه العام لهذه الحكومة رغم أن ما حصل مثلا في سليانة كان يستوجب فعلا إقالة أكثر من وزير، هذا فضلا عما يحدث من ارتباك وتعثر واضحين في سياق الانتقال الديمقراطي وفي منظومة العدالة، وتراجع واضح في مستوى الديبلوماسية التونسية، وضبابية التوجه الاجتماعي والاقتصادي وجمود الحركة الثقافية... وهي كلها سياقات مرتبطة بالأداء الوزاري... إن عملية التحوير الوزاري تفترض قاعدة أساسية ترتبط أساسا بكيفية الأداء الوزاري لا بمن يمسك حقيبة الوزارة، لكن يبدو أن هذه القاعدة معطلة اليوم باعتبار أن ما يتوارد علينا من أخبار وتسريبات تدور كلها في فلك الأسماء والانتماءات الحزبية، وضمن سياق تقسيم الأدوار وفقا لقاعدة "الأغلبية" النيابية داخل الترويكا، ليتم اختزال "البديل" السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الأسماء والأشخاص والأحزاب... بديلا لا نرى مؤشرا واحدا لنقطة نهايته. إن الحوكمة الرشيدة تقتضي وجوبا قلب القاعدة العمودية للتسيير والإدارة، لأنها تنبني أساسا على قاعدة المشاركة في اخذ القرار وتفعيله وفي رسم الخطط الكبرى والتوجهات العامة، كما أن هذه الحوكمة المنشودة اليوم في تونس تقتضي وجوبا أن يكون الأداء الوزاري "ثوريا" بأتم معنى الكلمة حتى ينسجم مع الشعار الذي وحد كل التونسيات والتونسيين: "شغل، حرية، كرامة وطنية".