بحث هذه المدونة الإلكترونية

2012/10/03

مادام الذكاء مقتصرا على الحركتين فالغباء نعمة

لا يختلف عاقلان على إن الاصطفاف السياسي والحزبي تحديدا لا يخضع لمنطق الذكاء أو الغباء بقدر ما ينبع من القناعة الشخصية والمبدئية لكل فرد يروم التموقع داخل هذا الحزب أو ذاك التنظيم، ولم يعد خافيا اليوم أننا بتنا نعيش حالة من "الخطف" الممنهج للأفراد وحتى للجماعات ودفعهم للاصطفاف والوقوف خلف هذا الزعيم أو ذاك، وبدأت حالة الخطف تدفع المشهد السياسي برمته نحو الاستقطاب الثنائي بين حركة النهضة والإسلاميين عموما من جهة، وحركة نداء تونس والليبراليين عموما من جهة ثانية، وطبعا من تخلف عن هذين الاتجاهين قد يُنعت بالغباء والتكلس السياسي، وكأن لا خيار لهذا الشعب إلا أن يكون إما مع السيئ أو مع الاسوإ منه... والغريب أن من لا ينتمي لحركة النهضة فهو من أعداء الثورة أو من أزلام النظام البائد أو من جماعة "صفر فاصل" وجماعة "عنقني"، ومن لا ينتمي إلى حركة نداء تونس فهو رجعي وظلامي أي مع حركة النهضة وليس حداثيا... أتذكر هنا قولا للكاتب الانكليزي كولن ولسون حيث يقول "إن اللامنتمي إنسان لا يستطيعُ الحياة في عالم البرجوازيين المريح المنعزل، أو قبول ما يراهُ ويلمسهُ في الواقع.. (انه يرى أكثر وأعمق من اللازم). إن البرجوازي يرى العالم مكاناً منظماً تنظيماً جوهرياً يوجد فيه عنصر مقلق مرعب غير متعقل، أما اللامنتمي فانه يرى العالم معقولا ولا يراهُ منظماً، وحين يقذف بمعاني الفوضوية في وجه دعة البرجوازي، فليس لأنه يشعر بالرغبة في قذف معاني الاحترام بإهانة لإثارتها، وإنما لأنه يحس بشعور يبعث على الكآبه، شعور بأن الحقيقة يجب أن تُقال مهما كلف الأمر، وإلا فلن يكون الإصلاح ممكنا... بل وان هذه الحقيقة يجب أن تُقال حتى إذا لم يكن هنالك أمل ما. الأمل الذي ماتت لأجله أجيال وتتوق له أجيال أخرى، يظل دوما رهينا بقول "الحقيقة"، تلك التي لا تتطلب مجهودا أسطوريا للاصداح بها، ويكفي اليوم أن يتعقل "الرهائن السياسيين" الذين وقع "اختطافهم" بإرادتهم وباختيارهم، حتى لا نقول بانتهازيتهم أو بخوفهم أو بطمعهم أو بتملقهم... يكفي أن يتعقلوا وينأوا قليلا بأنفسهم عن الصخب والضجيج المتعالي من "الحركتين" ويلوذوا بأنفسهم إلى نقاء داخلي علهم يتجاوزون النظر أمام أنوفهم ويتمكنوا من التفكير بشكل أبعد وأعمق لأن "تكرير" الاستبداد وإعادة إنتاج الفساد ليس بعيدا لا عن حركة النهضة ولا عن حركة نداء تونس... إلى الصديق الذي كتب تعليقا على صفحتي بالفايس بوك يقول فيه "إن اليسار التونسي مختص كالعادة في الغباء" أهديه هذه الأسطر وأقول له ما دام الذكاء مقتصرا على حركة النهضة أو حركة نداء تونس فإن الغباء في هذه الحالة يصير نعمة... ووحده الغبي من يفرّط في نعمة هو فيها.