بحث هذه المدونة الإلكترونية

2012/09/19

حوار مع الرئيس السابق للهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال كمال العبيدي:

الاستحواذ على وسائل الإعلام بداية الاستبداد ونهاية المستبد على رئيس الحكومة أن يتذكر وعوده في شهر جانفي الحكومة الحالية ليست ناطقة باسم الثورة التونسية احتكار الإشهار العمومي من علامات غياب الإرادة السياسية للإصلاح الإعلاميون والشعب التونسي سيحمل حزبا التكتل والمؤتمر المسؤولية التاريخية لمواقفهم السلبية من هذه الهجمة ضد حرية الإعلام هذا ردي على الحبيب اللوز وقيادي النهضة ما يحدث اليوم في دار الصباح يذكرني بما حدث سنة 89 في وكالة تونس إفريقيا للأنباء أجرى الحوار ناجي الخشناوي ـ تصوير كريم السعدي
عن مشروعية إضراب صحفيي وتقنيي وإداريي دار الصباح، والصحافيين المتملقين في السابق والمتسلقين الآن، وعن ضرورة التوزيع العادل للإشهار العمومي، وعن السياسة الممنهجة لضرب أهم مكتسبات الثورة التونسية، حرية الإعلام والتعبير، دار هذا الحوار الذي خصنا بها السيد كمال العبيدي الرئيس السابق للهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال. * لنبدأ هذا الحوار من "الحدث" الأخير والمتعلق بإضراب صحافيي وتقنيي وإداريي دار الصباح؟ * لو كنا حقيقة ملتزمين بما تعمل به الدول الديمقراطية لبادرت الحكومة منذ أن اندلعت انتفاضة الشعب التونسي لدعم قطاع الإعلام والمساهمة في توسيع هامش الحرية التي افتكها الصحافيون، ولكن على العكس تماما نلاحظ توترا كبيرا في التعامل مع قطاع الإعلام عموما ومنه دار الصباح التي تم تعيين مديرا عاما لها كان في السابق رجل أمن، وعُرف بتورطه في ملف فساد (رشوة) وحكم عليه بالسجن ولا يملك أي تجربة في إدارة مؤسسة إعلامية في حجم دار الصباح بتاريخها العريق المرتبط بحركة التحرر من الاستعمار الفرنسي وباستماتتها في الدفاع عن استقلالية خطها التحريري زمن بورقيبة وفي الفترة النوفمبرية، رغم الضغوطات المسلطة عليها، وحتى عندما اشتراها المدعو صخر الماطري وشرع في تحويل دار الصباح إلى أداة دعائية شهدت المؤسسة احتجاجات من بعض الأقلام بلغت حد الاستقالة. هذا قرار خاطئ وكان على الحكومة المؤقتة أن تراجعه وتأخذ برأي أهل القطاع وممثليه الشرعيين خاصة أنهم في المفاوضات الأخيرة قدموا ما يكفي من الأدلة عن عدم كفاءة هذا المدير، لكن مع الأسف الحكومة تصرفت وكأنها في نظام استبدادي وهو ما دفع بالعاملين في دار الصباح للدخول في إضراب عن العمل. هذا التعيين المسقط يذكرني شخصيا بما حدث سنة 1989 في وكالة تونس إفريقيا للأنباء عندما قام بن علي بتعيين المدعو محمد الهادي التريكي مديرا عاما مساعدا على الوكالة، وقد انتفض العاملون وحملوا الشارة الحمراء، كما وجه العاملون بالوكالة، عريضة لبن علي يرفضون فيها ذاك التعيين، لكن بن علي لم يستجب لطلبهم وكأن نفس النموذج السيئ يتكرر، رغم أن هذه الحكومة منتخبة ولم تأت بانقلاب مثل ما حصل مع بن علي، ولكن بمثل هذا التصرف أعتبر أن الحكومة الحالية فقدت ماء الوجه تماما. * بعد المفاوضات الأخيرة صرحت نقيبة الصحافيين بأن ممثلي الحكومة لا يملكون القدرة على اتخاذ القرار، وفي كل مرة يطلبون مهلة من الوقت للتشاور، كيف ترون هذه المعادلة خاصة أن ملف دار الصباح استوفى كل الشروط؟ * من الطبيعي أن يعود المستشارون الحكوميون إلى الوزراء والى رئيس الحكومة لأخذ القرار النهائي، ولكن المؤسف أن هؤلاء المستشارين غير مسموح لهم بالاجتهاد، وشخصيا استغرب أن يتم التفاوض مع المستشارين مع احترامي لهم، ولكن كان من الأجدى والأنفع أن يكون التفاوض مع من له القدرة على اتخاذ القرار الفوري. في الحقيقة هذه الحكومة غير جادة بالمرة منذ أن أمسكت بدواليب الحكم، والعديد من التونسيين يتابعون باستغراب ما تبديه الحكومة من تناقض صارخ بين ما تقوله وما تفعله، فهي تتحدث دوما عن الحوار ولكن على ارض الواقع لا تفعل سوى ما تقرره هي بمفردها وهذا بداية طريق الاستبداد، ولكن هذا أيضا بداية نهاية المستبد خاصة أن الشعب التونسي اليوم أبدى من الفطنة والحذر ممن سيصادر حريته. رئيس الحكومة التزم في بداية شهر جانفي بالالتزام بالمعايير الدولية لحرية التعبير ووعد بتطبيق المرسومين 115 و116، لكن سرعان ما أعلن بعض مستشاريه أن هذين المرسومين لن يتم تفعيلهما ولابد من مراجعتهما، وكأن هناك جهة خفية تمنع رئيس الحكومة من الإيفاء بوعوده وهذا أدركناه خاصة بعد التعيينات الأخيرة على رأس المؤسسات التي أثبتت غياب الآليات والمعايير التي تعتمدها الأنظمة الديمقراطية، بل بالعكس يبدو أن الأمور تسير وفقا للمزاج الشخصي وللحسابات الضيقة، وتبين أن المعيار الأساسي هو معيار الولاء قبل الكفاءة، وقد سبق لنا أن شرحنا وبيّنا لرئيس الحكومة أن عديد الدول عاشت نفس التجربة الانتقالية مثل جنوب إفريقيا وجمهورية التشيك قد تم تجاوز مثل هذه الوضعيات (التعيينات) باختيار أفضل الملفات المقدمة. * وكيف ترون الدعوات المتتالية لضرب الإعلام والإعلاميين مثل دعوة النائب بالمجلس الوطني التأسيسي الحبيب اللوز عن حركة النهضة في احد خطبه لما دعا لضرب الإعلام بيد من حديد؟ * مثلما ذكرت، منذ بداية شهر جانفي أصبحت العلامات المخيفة فيما يتعلق بمستقبل الإعلام تتكرر، والتعيينات هي شكل من أشكال العنف مثلها مثل الاعتداءات الجسدية التي طالت عديد الصحافيات والصحافيين من طرف البوليس ومن طرف أشخاص يُقال أنهم تابعين لحركة النهضة، والذين يفلتون في كل مرة من العقاب والمحاسبة، حتى أصبح المعتدي يشعر بحماية وحصانة من السلطة التي تمنحه دفعا جديدا لمعاودة الكرة، وهذه أيضا من علامات الاستبداد، وما قاله الحبيب اللوز يوم الجمعة في خطبته يدل على أن هناك إصرار في حركة النهضة على "تأديب" الصحافيين، وأنا شخصيا أحملّه ما قد يحدث من عنف ضد أي صحفي، لان العنف يبدأ من التحريض عليه. شخصيا اسأل الحبيب اللوز وأقول له لو لم تكن التغطيات الصحفية لمحاكمتك ولبقية قياديي حركة النهضة في الثمانينيات لما كان لقضية الإسلاميين في تونس أن تجد كل ذاك التعاطف، ولو لم تكن هناك أقلام حرة في تونس لما كنت نائبا بالمجلس الوطني التأسيسي. أقول للحبيب اللوز ولكل من يحرض على تعنيف الصحافيين أن هذه الممارسات هي من سجل الدكتاتوريات التي اكتوينا منها، ومن العار أن نستخدمها اليوم مع شعب اثبت رفضه العيش تحت ديكتاتورية جديدة، كما أدعو الجهاز القضائي لتتبع كل من يحرض على العنف ومحاسبته. * كيف تردون على الرأي القائل بأنه من الوارد جدا أن نعيش التجربة الجزائرية أو اللبنانية فيما يتعلق بتهديد الصحافيين وتعنيفهم حد القتل؟ * هذا السيناريو مُستبعد، لان تجربة الشعب التونسي وظروفه التاريخية والسياسية تختلف عن التجربتين الجزائرية واللبنانية، وما يبعث الأمل في تونس وعدم تكرار مثل هذين النموذجين والانزلاق نحوهما، هو اليقظة والحرص من طرف التونسيين على التصدي لكل حاكم مستبد، إلى جانب أن هذه الخلافات من الممكن تجاوزها سلميا ومدنيا وديمقراطيا، ولكن يجب الحذر من بعض الأطراف المتشددة التي لا يمكن التنبؤ بممارساتها. * كل الأسهم تتجه إلى حركة النهضة في حين أن الائتلاف الحاكم متشكل من ثلاثي حزبي، فكيف ترون دور حزبا التكتل والمؤتمر من اجل الجمهورية في هذا التمشي الضارب لحرية الإعلام؟ * في الحقيقة شاهدت بعض القياديين سواء من التكتل أو من المؤتمر يتضامنون مع الإعلاميين في القصبة خاصة يوم 9 جانفي ومرة ثانية في شهر أوت، ولكن ما يبعث على الحيرة والاستغراب أن هذين الحزبين يرأسهما حقوقيان عُرفا بتاريخهما النضالي ضد الاستبداد وخاصة في الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، ما يثير الاستغراب هو صمتهما وغياب موقفهما، وأعتقد أن الإعلاميين والشعب التونسي سيحملهما المسؤولية التاريخية لمواقفهم السلبية من هذه الهجمة ضد حرية الإعلام واستقلاليته. هذه فضيحة بكل المقاييس، لأن الصمت على تعيين شخص "متورط" و"متآمر" على النقابة الوطنية للصحفيين ومن الداعمين للانقلاب عليها سنة 2009، من العار على حزبين لهما تاريخ نضالي أن يصمتا أمام هذا التعيين ولا يبديان سوى موقف اللاموقف. * وكيف ترون الاتهامات الموجهة للحكومة السابقة ولليسار عموما بتحريك وسائل الإعلام ضد الحكومة الحالية؟ * هذا اتهام مجاني ومبرر غير منطقي واعتبر هذه الاتهامات تعليقا للفشل وللعجز على الآخر، فلو طبقت هذه الحكومة منذ البداية المراسيم المتعلقة بتنظيم القطاع الإعلامي لما آلت الأمور إلى ما آلت إليه الآن، ولكن هذه الحكومة خيرت عدم المصادقة على هذه المراسيم الحاسمة لتحدث الفراغ وتجد الثغرات، فمثلا اليوم نجد قنوات تلفزية جديدة لا نعرف مصادر تمويلها ومع ذلك تخصها الحكومة بتصريحات حصرية مثل قناة "الزيتونة"، وهو سبق اعتبره شخصيا استنطاق بوليسي للبغدادي المحمودي، وهذا مخجل، ولا يحدث في الدول الديمقراطية وكل هذه الممارسات لا تأكد إلا أن هذه الحكومة لا تفكر إلا في الانتخابات القادمة وكيفية الفوز بنتائجها. * كيف تفسرون حالة الشد والجذب بن وزارة الداخلية والنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين فيما يتعلق بما يسمى القائمة السوداء للصحافيين خاصة أمام وجود عدد من الصحافيين الذين انسجموا مع سياسة الحكومة الحالية ومنهم من بارك تعيين لطفي التواتي؟ * وزارة الداخلية تتحمل مسؤولية كبيرة لأنها لم تتحمل المسار الجديد للإعلام الطامح إلى التحرر والحرية والانتعاق من الرقابة، أو بالأحرى لم تتقبل الصيغة الجديدة لدور الإعلام. لا أحد ينكر أن جزءا مهما من الصحافيين تواطؤوا مع النظام السابق وباعوا ضمائرهم بأبخس الإثمان وساهموا في الانقلاب على شرعية المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين وكتبوا التقارير البوليسية في زملائهم، وهم اليوم يبحثون عن عذرية جديدة، والمشكلة أن هؤلاء هم اليوم مستعدون لمواصلة نفس الممارسات ولذلك لا أجد تشبيها ملائما لهم إلا "المرتقزقة" والوشاة الساقطون تحت سطوة الإغراء بالأموال والمناصب. هناك عملية مفضوحة لربح الوقت واستمالة للوجوه الفاعلة زمن الاستبداد. المطلوب اليوم من وزارة الداخلية ومن كل مؤسسات الدولة هو تمكين المواطن التونسي من حقه في الإطلاع على جميع الوثائق تفعيلا للبند 41 الناص على الحق في النفاذ إلى المعلومات. * كيف تفسرون ما يحدث اليوم لقناة التونسية؟ * لا احد ينكر أن مدير هذه القناة، سامي الفهري، كان متورطا مع بلحسن الطرابلسي وهناك العديد من القضايا المرفوعة ضده، ولكن أتسائل لماذا هذا الخرق القانوني ولماذا هذا التسرع، بل ولماذا تتزامن عملية اعتقال سامي الفهري مع موجة التصريحات الناقدة لتلفزة "التونسية" وخاصة لبرنامج "اللوجيك السياسي". أرى أن منطلق هذه الحكاية هو ضرب حرية الإعلام وليس تتبع شخص متورط أو سيثبت القانون انه متورط في قضايا فساد واستغلال نفوذ، وبالأخير ليس سامي الفهري الوحيد المتورط في قضايا فساد فهناك العديد من الصحافيين المتورطين في الفساد. ما يبعث على الاطمئنان أن هناك عديد المسؤولين الجدد يؤمنون بمطلب الحرية والاستقلالية، وهناك عديد الصحافيين الذين يقفون اليوم صدا منيعا أمام كل من يريد العودة بالإعلام إلى مربع الاستبداد. * هناك سلاح قديم جديد يسمى الإشهار العمومي، كيف ترون تأثيره اليوم في المشهد الإعلامي؟ * احتكار الإشهار العمومي من علامات غياب الإرادة السياسية لإصلاح قطاع الإعلام فتوزيع الإشهار والإعلام العمومي يخضع لمقاييس موضوعية، في حين أن الأنظمة المستبدة تحتكر الإشهار وهو ما كان حاصلا في تونس من خلال وكالة الاتصال الخارجي التي تمنح النسبة الكبرى للصحف الأكثر موالاة، وللأسف إلى اليوم مازلنا نرى نفس الصحف التي كانت تتمتع بالنسبة الأكبر من الإشهار العمومي في زمن بن علي مازالت تتمتع إلى اليوم بنفس الإشهار العمومي في حين أن عديد الصحف الجادة محرومة من هذا الإشهار على غرار صحيفة "السور" وصحيفة "الأولي" أما الصحف التي كان يصنفها نظام بن علي على أنها صحف معارضة فحدث ولا حرج. * هناك الكثير من اللوم على تقديم استقالتكم من رئاسة الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام وإنهاء مهام هذا الهيكل؟ * هذا صحيح، ولقد بلغتنا عديد رسائل اللوم في بداية شهر جويلية لما قررنا إنهاء مهام الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام من الشخصيات الوطنية ومن الإعلاميين، وأذكر أن عياض بن عاشور كان من بين الشخصيات الوطنية التي تأسفت لقرار إيقاف عمل الهيئة ولكن بعد مدة عاود عياض بن عاشور الاتصال بنا ليقول أن موقفنا كان صائبا وفي محله. لقد قررنا إيقاف عمل الهيئة حتى لا نكون ديكورا تابعا للحكومة الضاربة عرض الحائط بكل القرارات التي نطرحها وتدير ظهرها لكل النصوص القانونية التي يشهد القاصي والداني بتقدميتها وديمقراطيتها، ثم نحن لم ننه عملنا، ففي الأيام القليلة سنصدر التقرير النهائي لعملنا باللغتين الفرنسية والانقليزية بعد أن أصدرناه باللغة العربية. استقالتنا كانت بمثابة الرسالة لكل الغيورين على تونس وعلى تحقيق أهداف ثورتها. * الاتحاد العام التونسي للشغل أطلق مبادرة وطنية للخروج من الأزمات المتتالية، واليوم يفصلنا شهر تقريبا عن انتهاء الشرعية الانتخابية لهذه الحكومة فكيف ترون أفق الاستجابة لفتح حوار جدي؟ * مبادرة الاتحاد لا يمكن تجاوزها إلا من جاحد وناكر لهذا الشعب، ولا يمكن تأمين الانتقال الديمقراطي في ظل حكومة ترفض الحوار المسؤول والجدي مع مكونات المجتمع التونسي المدني والنقابي والحقوقي. اليوم نحن بحاجة ملحة وأكيدة للعزوف عن منهج الهيمنة والغطرسة والانزلاق في اتجاه إنشاء استبداد جديد. حقيقة أقول أن هناك عديد المؤشرات السلبية التي لا تبعث على الارتياح من طرف الحكومة الحالية، ومنها أساسا الاستفراد بالرأي وهناك نهم حقيقي للسيطرة على المؤسسات وعلى دواليب الحكم، واستخفاف بالمطالب الحقيقية للشعب التونسي. على هذه الحكومة أن تحسم أمرها في الخضوع لبعض المتشددين ولبعض الدوائر الأجنبية التي تخدم أجندات سياسية لا علاقة للشعب التونسي بها.