بحث هذه المدونة الإلكترونية

2012/07/04

هل تَعدلُ حركة النهضة عن النظام البرلماني؟

جثم النظام الرئاسوي على الشعب التونسي طيلة نصف قرن من الزمن، إذ أن النظامين السابقين، البورقيبي والنوفمبري، لم يكرسا أدنى مستويات النظام الرئاسي، بل استأثر الحبيب بورقيبة بالسلطة التنفيذية مطوعا السلطتين الثانيتين لزبانيته، وسار على خطاه بن علي طيلة 23 سنة بعد أن صنع ديكورا برلمانيا من خلال المجالس التي تم إنشاؤها والتي يقوم بتعيين أعضائها وفقا لمنسوب الولاء وكانت تمهد له الطريق التشريعي والقانوني ليبسط هو نفوذه وسيطرته، فكان الهيكل برلمانيا ووظيفيا النظام رئاسويا. والنظام الرئاسي، ليس نظاما "بائسا"، بل هو من بين الأنظمة التي تضمن الفصل التام بين السلطات حسب نظرية مونتسكيو، ولكن الانحراف به هو الذي يجعله نظاما مؤسسا للدكتاتورية والاستئثار بالسلطات الثلاثة معا، وهو ما حصل في تونس في المرحلتين السابقتين. ورغم أن فرنسا "مرجعنا السياسي"، قد اختارت النظام شبه الرئاسي مع الجمهورية الخامسة، كما تبنته مختلف دول أوروبا الشرقية بعد سقوط جدار برلين، وهو نظام يشترك فيه رئيسا الدولة والحكومة حيث يتم اختيار رئيس الدولة من قبل الشعب وكذلك يكون رئيس الحكومة مسؤولا أمام أعضاء البرلمان الذي يمكنه أن يعزل رئيس الحكومة ويحاسبه، رغم "محاسن" هذا النظام، فأن الأطراف السياسية التونسية قبل انتخاب أعضاء المجلس الوطني التأسيسي وبعده ما تزال مختلفة حول طبيعة النظام الذي سيتم اعتماده، ولم يكن خافيا على أحد استماتة حركة النهضة أو "حزب الأغلبية" كما يحلو لمناصريها تسميتها، في الدفاع عن النظام البرلماني خاصة بعد أن استأثرت بقرابة 45 بالمائة من مقاعد المجلس التأسيسي، وهي المقاعد التي مكنتها من تعيين السيد محمد منصف المرزوقي رئيسا مؤقتا للجمهورية بعد "مسرحية" انتخابات البرلمان... وذات مقاعد الأغلبية، بتراخ مفضوح من حزبي التكتل والمؤتمر، هي التي جعلت من السيد حمادي الجبالي رئيسا مؤقتا للحكومة والذي تعدت صلاحياته كل الحدود خاصة بعد تجاوز مؤسسة رئاسة الجمهورية في قضية البغدادي المحمودي. وما إصرار حركة النهضة على تكريس النظام البرلماني إلا لبسط نفوذها وسيطرتها من جديد على أجهزة الدولة بالتمام والكمال وهو ما هي ماضية فيه، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هل ستعدل حركة النهضة عن النظام البرلماني بعد أن أطلق الباجي قائد السبسي ما سماه "نداء الوطن"؟ خاصة أن كل المؤشرات تدل على أن هذه الحركة/الحزب ستجمع شتات الجهاز القديم إلى جانب التحالف مع بعض القوى الليبرالية والحداثية، وستسخر كل طاقتها وتجربتها للفوز بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات القادمة لتضمن بذلك كتلة موازية لكتلة النهضة في البرلمان ولتحد من الهيمنة البرلمانية لنواب الحركة الإسلامية، وربما لذلك استنفرت حركة النهضة (متخفية وراء اقتراح نواب حزب المؤتمر من أجل الجمهورية) لإصدار قانون يقصي التجمعيين من ممارسة الفعل السياسي بعد أن تم إقصاؤهم من الترشح لانتخابات المجلس التأسيسي الوطني في 23 أكتوبر 2011 بسن المرسوم عدد 15 كما أن افتعال بعض الأحداث لإرباك المسار الديمقراطي وضمان سلاسة الانتقال نحو أفق أكثر عدالة وتقدم، كلها سيناريوهات تصب في مربع الهيمنة على المشهد السياسي والاستحواذ على مفاصل الدولة. ومن الأهمية بمكان أن لا نغفل نتائج الانتخابات المصرية ومدى تأثيرها على اختيار حركة النهضة للنظام البرلماني، فالفارق بين محمد مرسي وأحمد شفيق ضئيل ويطرح إمكانية فشل الإسلاميين في مصر في الانتخابات القادمة، وفي سياق الانتخابات المصرية لا يمكن أن نغفل تصريح رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي أمام السفارة المصرية بتونس حيث قال "مثلما فشل أحمد شفيق في مصر سيفشل في تونس" في إشارة بليغة للباجي قائد السبسي، باعتبار أن أحمد شفيق يمثل فلول النظام السابق وكذلك ينتمي الباجي قائد السبسي وأبرز قيادات "نداء تونس" إلى النظام التونسي السابق، إذ يبدو أن قادة حركة النهضة على وعي تام بالمنافس الانتخابي القادم الذي لن تفلح معه محاولات التشتيت والتشويه باسم الدين مثلما حصل للأحزاب المتنافسة في انتخابات المجلس التأسيسي، لأن الهيكل التنظيمي الجديد للباجي قائد السبسي سيعتمد على "الإرث" السابق وسيلتف حوله جزء مهم من الشعب التونسي. ومن المرجح أن تثير حركة النهضة، المستفيد الرئيسي من الانتخابات السابقة، طبيعة الحكم الذي سيُعتمد في تونس حال الانتهاء من صياغة الدستور بعد أن تناقش قيادتها وكوادرها وأعضائها حظوظ النجاح بالاغلبية في المرحلة المقبلة... من عدمه... ناجي الخشناوي