بحث هذه المدونة الإلكترونية

2012/03/12

هل يدخل الطاهر الحداد المجلس التأسيسي متأبطا كتابه:امرأتنا في الشريعة والمجتمع؟

تعيش تونس، منذ انتخاب المجلس الوطني التأسيسي، صراعا معلنا بين قوى سياسية تريد "أسلمة" المجتمع وقوى مدنية تريد المضي قدما في مسيرة الحداثة والعلمانية، ويحتدم الصراع الآن مع كتابة دستور الشعب الذي افتتح "الربيع العربي"، وخاصة حول مصادره، أهي الشريعة الإسلامية أم حقوق الإنسان الكونية، أم ارثنا الثقافي والسياسي الذي منه كتاب "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" للطاهر الحداد، الذي كان مصدرا في كتابة مدونة الأحوال الشخصية. تنشيط الذاكرة التونسية في سياق الصراع المعلن بين قوى سياسية تريد "أسلمة" المجتمع التونسي وبين من يريد المضي قدما في مسيرة الحداثة والعلمانية، وفي خضم الحراك السياسي منذ انتخاب المجلس الوطني التأسيسي من أجل كتابة دستور مدني يليق بالثورة التي افتتحت "الربيع العربي"، والجدل القائم اليوم بين أعضاء المجلس حول مصادر الدستور الجديد، أهي الشريعة الإسلامية أم حقوق الإنسان الكونية، أم ارثنا الثقافي والسياسي الذي منه كتاب "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" للطاهر الحداد، الذي كان مصدرا في كتابة مدونة الأحوال الشخصية، في هذا الإطار يعيد المثقف التونسي وصاحب دار صامد للنشر والمناضل الحقوقي ناجي مرزوق، يعيد إصدار كتاب الطاهر الحداد "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" في نسخة أنيقة، مساهمة منه في تنشيط ذاكرة القارئ التونسي اليوم وهو يخوض معركة تحقيق أهداف الثورة التي من أبرزها المحافظة على حقوق المرأة التونسية وتعزيزها، وهي التي باتت مهددة (في القرن الواحد والعشرين) لا من الساسة الرجال بل حتى من بنات جلدتها ممن بتن ينظرن لتعدد الزوجات والزواج العرفي وختان البنات وارتداء النقاب... وكأن المرأة التونسية، وبعد أن كانت في الصفوف الأمامية إبان الإطاحة بدكتاتورية النظام السابق، تجد نفسها محاصرة بمقولة "الحداد على النساء مناصرات الحداد" رغم أن من يرفع هذا الشعار الغوغائي لا يعرف أن الطاهر الحداد كتب في مؤلفه أن: "الإسلام ليس هو المسؤول عن المصير البائس الذي انتهت إليه المرأة في المجتمع." المحافظون القدم الجدد وصفه طه حسين فقال عنه "لقد سبق هذا الفتى عصره بقرنين". هو الذي ألف كتاب "العمال التونسيون والحركة النقابية" سنة 1927، غير أن المُصلح التونسي الطاهر الحداد اشتهر بكتابه "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" الصادر سنة 1930 والذي بسببه جردته الزيتونة من شهادته العلمية واتهمته بالكفر والإلحاد والزندقة وطالبت بمنعه من حق الزواج وطردته من عمله، وأصدرت كتابين ردا على كتاب "امرأتنا في الشريعة والمجتمع"، هما كتاب "الحداد على امرأة الحداد" وكتاب " سيف الحق على من لا يرى الحق"... مات الطاهر الحداد وعمره لم يتجاوز 36 سنة، بعد أن حاصرته جيوب الردة والأصولية والرجعية في زمانه، (مثل السلفيون اليوم وحركة النهضة) وهو الذي كان طلائعيا ورائدا من رواد عصر النهضة مثل قاسم أمين وعلي عبد الرازق وأبو القاسم الشابي وطه حسين... وكان كتابه لبنة في مشروع النهضة العربية التي انطلقت من سؤال "لماذا تقدم الغرب وتأخرنا نحن المسلمون؟". الحداثة التونسية الأولى لئن ضيقت الزيتونة الخناق على الطاهر الحداد فإن حركة الإصلاح والحداثة في تونس لم تتجاوزه، بل استندت إلى مواقفه وأفكاره بخصوص المرأة عند تدوين مجلة الأحوال الشخصية (1956)، المجلة الرائدة في حقوق المرأة في تونس، تلك التي جمعت فصولها بين الاجتهاد الفقهي وفكر الحداثة إلى جانب الاتفاقيات الدولية الضامنة لحقوق الإنسان ومنها حقوق المرأة، هذه المجلة التي كان من بين مصادرها كتاب "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" للطاهر الحداد، تلاقي اليوم نوعا من الهجوم العنيف المغلف بخطاب يبدو ظاهريا يحترم أهم ركيزة من ركائز تونس الحديثة. الكتاب في نسخته الجديدة عن دار صامد للنشر والتوزيع، قدمت له الدكتورة آمنة الرميلي الوسلاتي التي تدرس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة، ويحتوي إلى جانب المقدمة، مقدمة الطاهر الحداد والقسم التشريعي (المرأة في الإسلام، الزواج، الطلاق، الزنى) والقسم الاجتماعي (السلطان العائلي، البؤس الاجتماعي، التطور الحديث، التعليم الرسمي) وخاتمة الكتاب، وهو كما تقول الدكتورة آمنة: "يحق لهذا الكتاب أن يوجد بين أيدي القراء دائما وأن يحيّن نشره والتعليق عليه بين جيل وآخر..."، لأن هذا المنجز يمثل علامة من علامات الصراع الذي دار ومازال بين قوى المحافظة والتقليد من جهة وقوى التحرر والحداثة من جهة ثانية، ولأنه يطرح بين طياته محاولة بناء علاقة جديدة بين التونسي ودينه على أسس العقلانية. كأن الحداد بيننا الآن وهنا ومن الأفكار البارزة التي طرحها الحداد ضمن هذا الكتاب، والتي تلقى صدى اليوم، موقفه من مسألة الحجاب، إذ يقول في كتابه:"ما أشبه ما تضع من النقاب على وجهها منعا للفجور بما يوضع من الكمامة على فم الكلاب كي لا تعض المارين." وكان من جملة ما دعا إليه الحداد في كتابه تحرر المرأة من القيود التي تكبلها داخل مجتمعها، وطالب بالطلاق المدني وأن لا يكون من حق الرجل فقط وإنما يعود ذلك إلى القضاء، كما عبر الطاهر الحداد عن رفضه المطلق لتعدد الزوجات معتبرا هذه الظاهرة سنّة سيئة موروثة من أيام الجاهلية، ودعا إلى أن تمارس المرأة الرياضة وأن تقبل عليها مجاراة لأختها الأوروبية، ومن بين ما دعا إليه في كتاب "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" إقرار المساواة بين الجنسين في التمتع بحق التعليم المجاني والإجباري. كتاب امرأتنا في الشريعة والمجتمع، كان استشرافيا بخصوص العلمانية ومدنية الدولة، فرغم أن مصطلح العلمانية لم يكن مطروحا في زمانه، إلا أن الطاهر الحداد اقترب من مفاهيمه وآلياته ومقاصده من خلال دعوته لرفع يد المحاكم الشرعية عن الطلاق وأحكامه التي تنظم وضعية المرأة المطلقة آنذاك، ودعا إلى الحد من تدخل المؤسسة الدينية في حياة الناس وبالذات في شؤون المرأة. الطاهر الحداد نادى في كتابه إلى رد الاعتبار للاجتهاد ومعاودة فتح أبوابه والعودة مباشرة إلى التعامل مع النص القرآني، وهي الرؤية التي يواصلها اليوم الكثير من المفكرين والمهتمين بالفكر الديني في تونس مثل محمد الطالبي وهشام جعيط وعبد المجيد الشرفي وألفة يوسف ورجاء بن سلامة وغيرهم. "يصيح" الطاهر الحداد في كتابه "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" في وجه التونسيات والتونسيين كاتبا: "إيه أيها التونسيون، ما أكبر فضيحتنا بين أمم العالم التي تسعى للحياة والعزة من طريقهما الموصل! فنحن مازلنا حتى الساعة معجبين بما ترك لنا تاريخنا الأسود من عقائد وميول ننسبها للإسلام زورا لنتقي بذلك صدمة الحق الغلاب". لئن رحل عنا الطاهر الحداد، فإن فكره مازال حيا بيننا، سندا للمرأة التونسية والعربية، مثلما كانت قصائد أبو القاسم الشابي سندا لشباب الثورة ولكل التونسيات والتونسيين الذين أسقطوا ديكتاتورية بن علي، والأكيد أنهم لن يتأخروا عن إسقاط أية ديكتاتورية جديدة قد تقفز من الخلف، خاصة وأن فكر الحداد يقدم خطوط المشروع الحداثي التونسي الكبرى ويرفع من الشعارات ما يمثل قاسما مشتركا بين مختلف العصور مثل الحرية والمساواة والقانون المدني والعدالة الاجتماعية... وهي القيم التي قامت من أجلها الثورة التونسية...