بحث هذه المدونة الإلكترونية

2012/02/09

اللقاء السنوي للمسرحيين الشبان بالتياترو: ايه في أمل

يبقى فضاء التياترو للفن المسرحي بتونس من بين الفضاءات القليلة الآبقة والمختلفة من خلال العروض والبرامج التي يقترحها دوريا على رواده. برامج تجاوزت المسرح لتنفتح على الرقص والموسيقى والسينما والمحاورات الإبداعية والفكرية، والتي أسست لعلاقة تفاعلية بين الباث والمتقبل، وجعلت من فضاء التياترو، الذي تديره زينب فرحات، قبلة يحج له الباحث عن الإبداع المنفلت من كل عقال وملاذا لاكتشاف الطاقات الشابة، ولعل برنامج "العرض الأول" (اللقاء السنوي للمسرحيين الشبان) أفضل مثال في هذا السياق، فالعرض الأول مثلما يصفه المنظمون له "يجمع أجيالا من مختلف مصادر التعلم والتكوين، بين العمومي والخاص، وهو لقاء متعة ورفعا لالتباسات ممكنة، لأن المسرح رحب لكل الذوات العالية والأنفس الحرة والإبداع المطلق". العرض الأول في دورته الثامنة، التي ستمتد من يوم 9 إلى 18 شباط الحالي، سيقدم تجارب مسرحية نوعية لجيل شاب من مبدعي الخشبة في تونس، سيقدمون تسعة أعمال مسرحية قاسمها المشترك "ثورية" النص والتجسيد مثلما توحي بذلك مختصرات الأعمال المقترحة، فمسرحية "الحي يروح" لصابر الوسلاتي سيكتشف جمهورها أن كل مواطن عربي يخال نفسه حرا هو بالأخير ليس إلا مثالا لحالة السجن الكبير التي نعيشها، في حين أن فتحي الذهيبي في مسرحيته "تعتيم" وانطلاقا من لوحة فنية تشكيلية تتضمن ثلاث شخصيات غير واقعية تنطلق الحكاية من الفن إلى الواقع من الجمود إلى الحركة وفق إيقاع تصاعدي، حيث تطرح ثلاث شخصيات لها مواقف سياسية متباينة تطرح إشكاليات السلطة، الانتخابات وكيفية التعامل معها ومن وراء ذلك الكشف عن العلاقات الجدلية بين السياسة و الثقافة. أما مسرحية "أهداب الأرض يا زيتونة" لفاطمة الفالحي فستداعب شعورا جامحا وتصورا لا مادي لأرواح متناثرة تجمعهم لحظة غير زمنية وغير مكانية تستوي فيها الأحاسيس والأهداف وتتناثر فيها تساؤلات لا نهائية بعد أن اكتروا أرضا بزيتونة " لا شرقية ولا غربية" ليعيدوا بناء الوطن. وقريبا من ذات السياق ستقدم انتصار العيساوي مسرحيتها "حلمة وقص" حيث يتخيل عاملا نظافة ليليان نفسيهما في فضاءات وأزمنة مغايرة لواقعهما الأليم لتنتهي علاقتهما بموت العامل الأول الذي تتدهور حالته الصحية بسبب المرض. وهو عمل يقوم بالأساس على لغة الجسد مصحوبا بمؤثرات صوتية حية ينتجها الممثلون. أما مسرحية "حيرة مفتوحة" لوليد العيادي فهي تنهض في عمقها على طرح السؤال الوجودي ذاك المتعلق برأي الآخر وبمنسوب العدالة المحلوم به و بالأمل في التقارب الإنساني. مسرحية "فصل بلا كلام" ليونس المقري ستقدم شخصية محورية تسعى إلى الخروج، ولكن قوى غامضة تدفعها وتمنعها فترجع متعثرة وتقع وسط المسرح لتنفتح أمامها كل إمكانات السؤال. مسرحية "في الوقت" لوحيد العجيمي ستطرح علاقة الإنسان بالزمن من خلال أخوين منعزلين في منزل ريفي يرفضان التواصل مع العالم الخارجي فيجثم عليهما الزمن ثقيلا ويحول حياتهما إلى رتابة دائمة فيحاولان كسرها وولوج مغامرات وهمية باسترجاع الماضي. ماض كان سببا في عدة تراكمات نفسية أدت إلى انهيار احد الشخصيات وموتها. أما مسرحية "انفلات" لوليد الدغسني فهي تصور رجل وامرأة يسكنان حيا قديما، يسيطر عليهما شبح الخوف من المجهول ويختلفان في تقييم الواقع بين من يدعو إلى عقلنة الثورة وبين من يرى ضرورة الصدام وافتكاك الحق. في حين أن مسرحية "آخر تنهيدة" لسمية بوعلاقي هي تكريم لأرستوفان عموما وتحديدا لنصه "ليسيستراتا"، هي تكريم لمسرحي دافع عن كرامة الإنسان وكرامة المرأة بصفتها منبعا للحياة. دافع عنهما بمسرحه الساخر. الأكيد أن المشترك الجامع لهذه المسرحيات التسع لن يحجب عن الجمهور الذي سيشاهدها اختلافاتها الجوهرية في مستوى القراءة والكتابة وفي تنوع التقنيات المسرحية المعتمدة في كل منجز مسرحي على حدة.