بحث هذه المدونة الإلكترونية

2012/01/31

حزب التكتل يتفكك




مثلت الأحداث الأخيرة في تونس من انتهاك واضح للحريات العامة والفردية ومن تخطيط ممنهج لضرب حرية الإعلام واستقلاليته والانزياح بالمطالب الجوهرية التي قامت من أجلها الثورة التونسية إلى متاهات ثانوية، فضلا عن ارتباك العمل الحكومي، مثلت فرصة لتقارب العديد من الأحزاب الوسطية الإصلاحية والحداثية، وقد دخلت العديد من الأحزاب والشخصيات السياسية في الخطوات العملية لإعداد أرضية فكرية وسياسية تكون بمثابة بديل سياسي وشعبي قوي ومتماسك خاصة بعد البيان الذي أصدره الباجي قائد السبسي رئيس الحكومة السابق منذ أيام قليلة، وكذلك توقيع وثيقة تحالف بين 13 حزبا تحت تسمية الحزب الوطني، ولعل المسيرة الحاشدة (أكثر من 10 آلاف مشارك) التي انتظمت يوم السبت 28 كانون الثاني بتونس العاصمة خير دليل على مدى جدية التقارب السياسي بين هذه الأحزاب، وبالمقابل تشهد بعض الأحزاب في تونس حالة من التفكك التي تنذر باندثارها ولعل حزب التكتل من اجل العمل والحريات أفضل مثال على ذلك.
حزب التكتل من اجل العمل والحريات، الطرف الثالث، إلى جانب حركة النهضة والمؤتمر من اجل الجمهورية، فيما يعرف بالترويكا في تونس، أي التحالف الثلاثي الأغلبي في المجلس التأسيسي، هو حزب تأسس سنة 1994 وعُرف برؤيته التقدمية وبدفاع مناضليه عن قيم الجمهورية الثانية وبناء مجتمع المواطنة، غير أن دخوله في التحالف الثلاثي ورئاسة مؤسسه، السيد مصطفى بن جعفر، للمجلس التأسيسي الوطني ومشاركة بعض كوادره في الحكومة الائتلافية، مهدت لبروز هوة عميقة داخل الحزب بدأت تتعمق في الأيام القليلة الماضية من خلال تتالي قوائم المستقيلين من هياكل الحزب، حتى أن البعض من المتابعين للشأن السياسي يرون في إمكانية اندثار الحزب من الخارطة السياسية إمكانية واردة جدا.
ولئن ظلت وسائل الإعلام التونسية تُرجع أسباب هذه الانسحابات إلى الضغط الذي يمارسه احد ابرز قيادات الحزب، السيد خميس قسيلة، على المناضلين والمنخرطين في الحزب، مستندين في ذلك إلى تصريحات الناطق الرسمي باسم الحزب السيد أحمد بنور، فان التصدعات التي ضربت بقوة هذا الحزب تعود إلى أسباب أكثر عمق من حرب إعلامية ثنائية بين رجلين، وهي أسباب أجملها المستقيلون في بيان لهم والمتمثلة أساسا في فشل قيادة الحزب في إدارة المرحلة وانعدام الديمقراطية داخل الحزب واستعمال القيادة لأسلوب فوقي في التعامل مع المناضلين، وإقصاء كوادر الحزب من الإدلاء بآرائهم في المسائل الجوهرية التي تهم الحزب والوضع العام للبلاد.
المستقيلون من الحزب، وخاصة في الدوائر المركزية مثل تونس وأريانة وبنعروس والذين يعدون بالمئات، وجهوا أصابع الاتهام مباشرة إلى قيادة الحزب باعتبارها تسببت في "انحراف الخط الرسمي للتكتل عن المبادئ والقيم الأصلية التي دفعت بفئات واسعة للانخراط صلب هذا الحزب."
وقد اعتبر المستقيلون أن "الصمت الغريب" لزعيم الحزب السيد مصطفي بن جعفر، رئيس المجلس التأسيسي الوطني، بعد تصريح نائب حركة النهضة وابرز قيادييها الصادق شورو بالمجلس ودعوته الصريحة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية لإنهاء الاعتصامات والاحتجاجات، هي القطرة التي أفاضت الكأس، فرغم الانتقادات الواسعة من قبل الحقوقيين والسياسيين والمثقفين والإعلاميين والمواطنين العاديين لهذا التصريح، ورغم أن حركة النهضة ذاتها نأت بنفسها عن هذا التصريح نافية أن تكون الشريعة الإسلامية على أجندة الحركة، فان السيد مصطفى بن جعفر لزم الصمت ولم يبدي ساكنا أمام هذا التصريح، مما دفع ببعض مناضلي حزب التكتل إلى رفع شعار "شورو يدعو إلى القتل وبن جعفر يقول شكرا" في المسيرة التي انتظمت نهاية الأسبوع المنقضي، والتي لم يشارك فيها حزب التكتل بصفة رسمية.
ولعل تصريح كاتب عام إحدى فروع التكتل، السيد الطيب العقيلي، بعد استقالته منذ يومين فقط، بقوله حرفيا "الاستقالات ستتوالى وستطوى صفحة التكتل نهائيا كحزب وطني كبير" فيه الكثير من النظر للمستقبل القريب لهذا الحزب، خاصة أن تصريحات الناطق الرسمي للتكتل، السيد احمد بالنور، تتسم بالهشاشة وبالدوران في نفس الحلقة، إذ انه يرى أن غياب التواصل بين القيادة والقواعد تعود حسب رأيه إلى أن "الحزب دون إمكانيات مادية تذكر واغلب قياداته غير متفرغين للعمل الحزبي بل لهم التزامات مهنية وعائلية"!!!
التصدعات التي يواجهها حزب التكتل من اجل الجمهورية اليوم، لا تقتصر عليه فقط بل هي طالت حزب المؤتمر من اجل الجمهورية، الطرف الثاني في التحالف الثلاثي والذي أسسه رئيس الجمهورية المؤقت السيد المنصف المرزوقي، فهذا الحزب أيضا تشقه صراعات بين شق أمينه العام المؤقت حاليا السيد عبد الرؤوف العيادي والشق المحسوب على السيد الطاهر هميلة احد ابرز قياديي الحزب، ويرى العديد من الملاحظين في تونس أن حزبي التكتل والمؤتمر أصبحا جزءا من حركة النهضة تتحكم فيهما وفق توجهاتها ورؤيتها لطبيعة الحكم في تونس، غير أن هناك الكثير من المؤشرات أيضا على بوادر تصدع داخل الحركة ذاتها بين الشق المتشدد والشق المعتدل وهو ما ستكشفه الأشهر القادمة في مؤتمر الحركة.