بحث هذه المدونة الإلكترونية

2011/11/13

أعلن دينك وسندافع عنك


يستخدم المجتمع المدني عادة كمفهوم وصفي لتقييم التوازن بين سلطة الدولة من جهة، والهيئات والتجمعات الخاصة من جهة أخرى، وهو يتميز عن الدولة بوصفه مجالاً لعمل الجمعيات التطوعية والاتحادات مثل النوادي الرياضية وجمعيات رجال الأعمال جمعيات حقوق الانسان، واتحادات العمال وغيرها...

انه يتكون مما أطلق عليه إدموند بيرك "الأسرة الكبيرة".

ففي المدرسة اليونانية استخدم مفهوم المجتمع المدني كمرادف للمجتمع الجيد أو الرشيد، اذ رأى سقراط أن الحوار الاجتماعي عن طريق الجدل هو حاسم من أجل تأكيد التمدن في المجتمع. في حين ركز كارل ماركس على أن المجتمع المدني يشكل القاعدة التحتية لقوى الإنتاج والعلاقات الاجتماعية، وهي التي تهيمن عليها الطبقة السائدة اقتصاديا وإيديولوجيا أي الطبقة الرأسمالية. ثم نجد توماس هوبز وجون لوك مثلا، يطرحان نظريات للحكم وإدارة المجتمع انطلاقا من المنطلق الإنساني المجرد من أية تقييدات فكرية أو دينية.

وقد أدخل انطونيو غرامشي قطيعة في المضمون الدلالي لمفهوم المجتمع المدني، باعتباره فضاء للتنافس الإيديولوجي. فإذا كان المجتمع السياسي حيزا للسيطرة بواسطة سلطة الدولة، فإن المجتمع المدني فضاء للهيمنة الثقافية والإيديولوجية، ووظيفة الهيمنة هي وظيفة توجيهية للسلطة الرمزية التي تمارس بواسطة التنظيمات التي تدّعي أنها خاصة.

وبالرغم من الاختلافات، فإن نظرية العقد الاجتماعي بالنسبة لمفكري العصر التنويري ترى أن الدولة والحكم هما نتاج اختيار منطقي من قبل المجتمع لطريقة الحكم، ولا تستمد حكمها أو صلاحياتها من الآلهة أو الأديان أو شيء آخر فوق الإرادة الحرة للبشر.

غير ان هناك فرق شاسع بين النية في بناء مجتمع مدني متماسك، وبين استعمال الجمعيات والمنظمات وسيلة لبناء مجتمع نمطي، وهناك فرق بين أن نطرح شعار المجتمع المدني، تكتيكيّاً، بغية حجز مساحة سياسيّة تؤمّن لنا إمكانية ممارسة طموح معين، وبين أن يكون هذا الشعار غاية وهدفاً وتصوّراً لمرحلة تاريخية مُنتظرة...

إن السرد السابق لتطور مفهوم المجتمع المدني ليس الا مدخلا للوقوف اليوم على ما قد "يتهدد" مجتمعنا المدني التونسي من مد مدروس لعدد غير قليل من بعض الجمعيات والمنظمات التي تقدم نفسها في جبة "المدنية" و"الحقوق الكونية" والدفاع عن "المواطن" مهما كان جنسه أو دينه أو لونه، غير ان نظرة بسيطة لعناوين بعض هذه الجمعيات والمنظمات سنكتشف بكل يسر انها تدور في فلك ضيق وافقها واضح المعالم لا يقبل الاخر المختلف، ذلك اننا نطالع اليوم مثلا لجنة للدفاع عن حجاب المرأة في تونس (لا المرأة التونسية)، وهيئة عالمية لنصرة الإسلام في تونس (كأنه كان مهزوما في السابق)، وجمعية للشباب المسلم (لا الشباب التونسي) وجمعية تونسية لأئمة المساجد ، وجمعية تونسية للعلوم الشرعية، وجمعية للمنبر الإسلامي، وجمعية للخطابة والعلوم الشرعية......

إن هذه المنظمات والجمعيات الدينية، المتسترة بغطاء المدنية تهدد وحدة وتنوع المجتمع التونسي باعتبارها تشتغل بمنطق تمييزي على أساس الدين، إذ يبدو أنها لا تدافع إلا عن من أعلن إسلامه!!! كما أننا لم نسمع بها تحركت ضد غلاء المعيشة مثلا أو الترفيع في الأجور أو أمضت على عرائض تدين انتهاك الحريات العامة...

قد نجد تفسيرا ما أو تبريرا لهذا البزوغ المدني/ الديني، ولكن الأكيد أن السهام المصبوبة اليوم على الأحزاب السياسية الدينية والخوف المتزايد من انقضاضها على الديمقراطية المفترضة قد تصيبها في "مقتل"، ولكن الثابت ان انتشار مثل هذه المنظمات والجمعيات وتغلغلها في المجتمع التونسي ستنسف كل بارقة امل في تفادي الدخول في استبداد جديد... خاصة أنها تشتغل على المدى البعيد...