بحث هذه المدونة الإلكترونية

2011/10/01

ادرسْ‮ ‬لأننا نحتاج إلى ذكائك


في كتابه "دفاتر السجن" كتب الفيلسوف والمناضل الايطالي انطونيو غرامشي: "ادرسْ لأننا سنحتاج إلى ذكائك، حرّض لأننا سنحتاج إلى حماسك ـ نظّم لأننا سنحتاج إلى كل قوتك، فالأمير الحديث لا يستطيع أن يكون فردًا أسطورة إنما هو فقط يمكن أن يكون تنظيمًا".

أستحضر هذه المقولة المشحونة والمتقدة ونحن في مفتتح السنة الجامعيّة، نتابع عودة آلاف الطلبة إلى الجامعات والكليات التونسية، نستحضرها لأن الجامعة ليست فضاء محايدًا أو عابرًا بقدر ما هي نقطة تحوّل جذرية في حياة كل طالبة وطالب، فهي منارة علم وساحة نضال وبوابة نحو عالم أرحب، هو عالم الشغل، وأعتقد أن الجامعة هي التي تنحت الجزء المهم في شخصية الفرد الوافد عليها لما توفّره من علاقات مختلفة ومهمة في آن واحد، ولما تقدمه من زاد معرفي أكاديمي وثقافي، الفضاء الجامعي الذي يختلط فيه ابن العامل وابنة الفلاح بأبناء الطبقة البرجوازيّة، الفضاء الذي تتقاطع فيه خطى الآفاقيّين، أبناء الأرياف والمدن الداخلية بأبناء العاصمة والمدن الساحلية هي التي تؤججّ الشعور الايجابي لدى كل فرد ليقتلع مكانه الطبيعي والشرعي باعتباره طليعة المجتمع.الجامعة هي فضاء الإمكان والمبالغة... الفضاء الذي نٌعلن فيه حالة السعادة الدائمة...

إن الأفكار لا تنبت في السماء ولا تمطرها السحب، وإنما تختمر في العقول وتنعقد عبر الصّلة مع الآخر المختلف، والطالب الذي يراهن على ذكاءه وزاده النضالي وتماسكه الأخلاقي بين مقاعد الجامعة ومدارج الكليات هو الأقدر على تأثيث الجامعة التونسية "الَمحلٌوم بها"، الجامعة التي وهبت هذا الشعب كوادره الفكرية والعلميّة وساهمت، باعتبارها جزءًا من الحركة الشعبيّة، في بناء دولة حديثة وعقلانيّة...

الجامعة اليوم، يخفت بريقها بفعل نظام همّش أفقها وقلّص من دورها وحولها إلى مؤسّسة ميّتة... فشلت حتى في إخراج جيل قادر على المشي باعتداد في الشارع... جيل لم يتخلّص من "فكر" الانسجام واليقين والثّابت... ولم يتجرّأ على فكر الاختلاف الذي يمر حتما بفكر الصراع... جيل توغَّلَ بعيدا في الفراغ المعرفي واليباب الاخلاقي...

اليوم، وفي انتظار تثوير الطاقات الأكاديمية، وأن تلعب النخب الجامعية دورها الحقيقي قد يعود الأمل إلى هذا الفضاء ليرسخ في ذهن كل طالب انه لا وجود لغير الواعي بوجوده، وأن الدرس الحقيقي هو التدرب على فن العيش والتعايش، التعوّد على الصراع والمقاومة لكل أشكال التّشيُّؤِ، وان الدرس الحقيقي هو نزع الأقنعة عن الأساطير الزائفة وإنتاج البدائل المجتمعيّة الأمثل، فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل إن الحرية والخبز ينبتان على ساق واحدة...

أعتقد أن الطالبة والطالب اليوم على مرمى إصرار من إعادة الوهج إلى الجامعة التونسية حتى تكون فعلا جامعة شعبية بشروط تعليم ديمقراطي ومَقاييس ثقافة وطنيّة نقديّة، وحتى تصبح الحركة الطلابيّة جزء لا يتجزء من الحركة الشعبيّة الناهضة اليوم من جلباب الدكتاتورية رغم بقاياها الناتئة هنا وهناك...

"ادرسْ لأننا نحتاج إلى ذكائك" هكذا قالها غرامشي الذي كان مثلكم طالبا في الجامعة، ناضل بحماس، درس بنجاح ومات لأجل الحرية...

لا تكن مثل غرامشي أيها الطالب... كن فقط كما أنت، ذكيّا، ومناضلاً تتقد حماسًا وتتنفس حريّة...

وكن مواطنا عنيدا في فكرك، متسلّحا بالتَّحدي وفي تشكك مستمر... ولتزرع القلق أيْنما وليت وجهك في الثقافة المطمئنّة والمستكينة...