بحث هذه المدونة الإلكترونية

2009/03/02

الفلاسفة الجدد

بات واضحا وجليّا أن العلوم الإنسانية أصبحت اليوم، وفقا لشروط العالم الجديد، لا تساوي شيئا، بل إنها أصبحت عبئا ثقيلا وغير مرغوب فيه من قبل الحكومات والأنظمة المتطلعة لركوب صهوة الجواد الأرعن المسمّى عولمة أو رأسمالية أو تقدّما... ذلك أن العلوم الصحيحة وحدها هي التي باتت تستأثر بالاهتمام والمتابعة والحظوة الكبيرة..

عن هذه الازدواجية اقصي الفيلسوف وعالم الاجتماع والانتروبولوجي والأديب والشاعر وتقدم الفيزيائي وعالم الرياضيات والكيميائي وخبير الأسلحة... فغار العالم بأسره في النفق المظلم خلف الآلات الحربية المدمّرة وخلف أدوات التجميل المخربة والآلات الملوّثة للطبيعة وغيرها، وظل صراخ الفلاسفة والمفكرين خافتا تحت الأزيز والضجيج...

هذا التمشّي الذّاهب بالعالم نحو حتفه يمكن لأي عاقل أن يقف على إرهاصاته البعيدة والقريبة، وعلى مظاهره المباشرة أو غير المباشرة فإلى جانب النمطية والنمذجة وتشيؤ الإنسان وتعطيل كل ملكات التفكير لديه بإنابة من يفكر عوضا عنه إلى جانب هذه المظاهر العامة يمكن لنا أن نكتشف «الحملة العالمية لمناهضة الفلسفة والفلاسفة» ضمن البرامج التعليمية التي صارت تقدّم للأجيال الناشئة والمفتقدة لأدنى شروط ضبطها.

ولنا في برامجنا التعليمية ما يبرهن على انخراطنا في منظومة نهاية الفلسفة والفلاسفة ويكفي أن يلقي واحد منا نظرة عابرة على كتاب الفلسفة المبرمج لتلاميذ وتلميذات السنة السادسة ثانوي والباكالوريا آداب وعلوم على حدّ السواء فإلى جانب تخفيض ساعات التدريس من سبع ساعات إلى خمس فقط، فقد أصبحت كتب الفلسفة تشبه مقررات بعض دول المشرق من ذلك أنها صارت تعتمد على «المختصرات» إلى جانب إيراد عدة نصوص من دون أسئلة وإدراج نصوص أخرى مترجمة لم يتم التنصيص على مترجميها هذا فضلا عن الأخطاء المطبعية الفادحة وحشد الصوّر وإدراج نصوص مستغلقة تتجاوز المستوى المعرفي للتلاميذ مثل الاكسيوم... وكذلك اعتماد «منهج» النوافذ المفضية الواحدة إلى الأخرى تماما كالنظام الجامد للحواسيب الذي لا يتطلب جهدا في التفكير بقدر ما يتطلب حدا أدنى من الحفظ والتلقين..

إن مقولة أنا أفكر إذن أنا موجود، تنداح وتتراجع لحساب المقولة الجديدة للفلاسفة الجدد أنا أحفظ إذن أنا موجود... أو بالاحرى أنا احفظ إذن أنا أنجح..

يظل سؤال الفلسفة والتفلسف سؤالا انطولوجيا بالأساس ولا يمكن أن يكون خُطة مرحلية تضبطها شروط تاريخية وهو أيضا لا يخضع لإملاءات أو ضغوط بقدر ما ينبعث من أعماق الذات الإنسانية المعنية بالدرجة الأولى...