بحث هذه المدونة الإلكترونية

2009/02/20

يوميات ميونيخ لحسونة المصباحي




"أنا أفعل شيئاً لم يفعله شخص قبلي ولن يقدر شخص بعدي على تقليده". هكذا افتتح جون جاك روسو كتابه الأشهر "اعترافات".

وربما لن نضيف جديدا إن قلنا إن كتابة اليوميات الشخصية ما تزال على هامش الأدب بمختلف أجناسه، أو هي أقل منه حظوة واهتماما، رغم أنها باتت تنافسه من حيث الرواج والانتشار بين القراء بشكل مطرد لمَ تتوفر عليه من انفتاح يغري القارئ بترصد تفاصيل كاتب اليوميات، هؤلاء الذين صاروا يتقنون جيدا التخلص من أي عبء أخلاقي كالخجل أو الحرج أو التكتم عن أسرار قد "تشوه" صورة الكاتب لدى قرائه.

فكُتًاب اليوميات ينزعون إلى الإفضاء بسريرة أنفسهم والى التعبير عن معتقداتهم وآرائهم دون تكلف أو تصنع، وهي لذلك ربما تُعتمد هذه المصنفات كوثائق أولية لدى النقاد الدارسين، ومن أهم اليوميات تلك التي سجلها راعي أبرشية فرنسي مجهول من عام 1409 إلى عام 1431 تحت عنوان "يوميات برجوازي باريسي" ومن أشهر اليوميات تلك التي دونها جونثان سويفت والسيروولتر سكوت وفرانز كافكا وأندريه جيد وفيتولد غومبرو فيتش وكاثرين مانسفيلد وجان بول سارتر ومارغريت يورسونار وناتالي ساروت ... وغيرهم كثر.

وتُعتبر كتابة اليوميات شكلا من أشكال التأريخ، ذلك أن كاتبها يرصُد مواقفه وآراءه وانطباعاته انطلاقا مما يحف بحياته من أحداث تفرزها المرحلة التي يحياها وقد يعيشها بشكل مباشر أو غير مباشر. كما أن فرصة السفر والتجوال تمنح الكاتب آفاقا أرحب وإمكانات أوسع لشحن يومياته بدفق مختلف يغري أي قارئ بملاحقة ما يخطه من تفاصيل وحيثيات ودقائق دون أن تتماهى مع أدب الرحلة...

وتنهض كتابة اليوميات أساسا على مرجع العين والذاكرة، والفكر أيضا... ولئن يتعدد الراوي في مختلف الأجناس الأدبية، فإنه في اليوميات واحدٌ معلوم.

أتقن جيدا التخلص من أي عبء أخلاقي كالخجل أو الحرج أو التكتم عن أسرار قد "تشوه" صورته ككاتب وإعلامي لدى قرائه... وأفضى بسريرة نفسه وعبر عن معتقداته وآرائه دون تكلف أو تصنع... ورصد مواقفه وآراءه وانطباعاته انطلاقا مما حف بحياته من أحداث أفرزتها المرحلة التي يحياها وأثرت عليه بشكل مباشر أو غير مباشر... سافر كثيرا وتجول في عدة بلدان وعاشر أكبر الكتاب والشعراء وغيرهم من المبدعين العرب بالخصوص والغربيين أيضا... وكتب بضمير الأنا "يوميات ميونيخ" ليطل من شرفاتها على عالم الأصدقاء ويعود بذاكرته إلى أحراش القيروان ومقام غرس الله، إلى ساحات وشوارع ومقاه ومطارات ونزل مر بها ورسخت بذاكرته...

كتب عن كوابيسه وأحلامه، عن مساءاته وصباحاته، عن قراءاته وكتاباته، عن نساء عرفهن وأخريات انتظرهن وما أتين، رصد تحولاته النفسية من فصل لآخر... انكسارات وانتصارات... أحزان وأفراح...

أهم التفاصيل والدقائق التي عاشها بين سنة 2001 و2004 رصدها صاحب "هلوسات ترشيش" و"الآخرون" ووداعا روزالي" و"نوارة الدفلى" و"التيه" و"أصوات مراكش" وطرحها للعموم عن دار الفارابي ضمن "يوميات ميونيخ".

المواقف والآراء الشخصية فيما أفردته تحولات العالم السياسية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر ووصولا إلى سقوط بغداد، إلى جانب الأحداث الثقافية، مثلت أهم محمل ـ في تقديري الشخصي ـ ليوميات الكاتب التونسي حسونة المصباحي، وهي ربما التي تمثل بؤرة هذه اليوميات لمَ تتوفر عليه من صدق وعفوية قد لا تلاقي صدى لمن لا تتحمل صدورهم اختلاف الرأي حتى وان كان إطلاقيا وانطباعيا.