بحث هذه المدونة الإلكترونية

2009/02/08

بين الانتداب والخبرة: شرط العازب

من المفارقات العجيبة الغريبة تلك التي تمرّ أمام أعيننا كلّما تصفّحنا صحيفة ما أو كلّما اشرأبّت أعناق الجيش العرمرم من المعطلين عن العمل إلى شاشة التلفاز تلاحق عروض الشغل والِــجَة من اليمين هاربة من اليسار أسفل صندوق العجب. فأغلب عروض الشغل والانتداب المعروضة والمتوفّرة في مختلف الأطر كالصحف والتلفزة والإذاعات والدوريات وفي مكاتب التشغيل... كلّها تنصُّ على شرط أساسيّ لا رجعة فيه، إنّها الخبرة المطلوبة والتي تنصّ على وجوب أن تضاهي خبرة طالب الشغل ما لا يقلّ عن السنوات الخمس!!!

من هذه المفارقة السريالية فعلاً يمكن لأيّ واحدٍ عاقل أن يستشفّ ما به يقضي على تلك الخطوات التي تفصله عن الجنون حدّ الخَبَلِ.. أقول جنونًا لأنّه من المفترض أن تكون هذه الحقائق المُعلنة حافزًا للمزيد من النضال والاستبسال حدّ الموت من أجل حقّ يحقُّ لنا أن يتمتّع به ويحتفل به كل من نذَرَ عمره لبطاقة خلاص شهريّة بعد أن أحرقت منابة الابتسامة على شفاه أولئك المعطوبين الذين تهْرُسهم طواحين السوق الحرّة والعولمة كل لحظة على الأرصفة الباردة...

إنّ التنصيص على وجوب توفّر شرط الخبرة بما لا يقلّ عن السنوات الخمس لا يمكن أن يدلّ إلاّ على الرغبة الدفينة لدى عارضي الشغل وبما لا يدع للشكّ والريبة وحسن النيّة ـ في أنّ باب الشغل موصدٌ دائما وأبدا أمام مستحقيه، فببساطة إلى حدّ السّذاجة من يتوفّر لديه هذا الشرط المجحف هو لا محالة يشتغل في مكانٍ ثانٍ، ثمّ إن من لديه خبرة خمسة سنوات ويطلب شغلا جديدًا هو بالضرورة قد أُطرد من عمل سابق وهو بالتالي ضحيّة لنفس نظام الانتداب...

أتذكّر قياسًا لهذه الوضعيّة الشرسة مثلا سيّارًا على كلّ الألسن ذاك الذي يقول «شرط العازب على الهجالة» أتذكّره ولا أدري متى تنتهي مواسمُ استبلاه العقول ومواسم كنس الحقوق التي يتدحرج فيها آلاف المتخرّجين وآلاف المؤهلين لتأمين جيل آخر من عمر البناء...