بحث هذه المدونة الإلكترونية

2008/05/27

منتدى ثقافي... ثقافي

يرى الدكتور عبد السلام المسدي أنه ليس من معنى ولا من وزن لموقف المثقف العربي الذي يقول بحتمية الحدث التاريخي فيعلن تسليمه بأن العولمة شيء حاصل بالفعل ما لم يكن له وعي بأن الحاصل بالفعل لا يلغي وجود الحاصل بالقوة ألا وهو العولمة المضادة هذه الفقرة القصيرة والمكثفة التي عثرت عليها في كتاب الدكتور محمد حسين أبو العلا دكتاتورية العولمة قراءة تحليلية في فكر المثقف بدت لي وهي بالفعل كذلك كافية بل مستفيضة لتشخيص حالة اليباب التي تكتسح أرض المثقف العربي... هي أرض يباب تنوس فيها أشباح وظلال تخينة وقصيرة وشاحبة باهتة :كتّاب، شعراء ، روائيّون ، قصاصون ، نقاد، مغنون، عازفون, رسامون, سينمائيون, مسرحيون... كلهم يحملون صفة مثقف وأغلبهم يقفون فوق ربوة نائية جدا عن الأزقة والمنعطفات ... ينأون عن المعامل والمصانع ومخازن الشركات العابرة للإنسانية... كلهم بعيدون عن تفاصيل الوجع اليومي وعنه ساهون لا نراهم إلا مجازا فوق الأوراق البيضاء... فوق خشب المسارح الضيقة والمغلقة للترميم... في ظلمة قاعات السينما البالية... أو في الملتقيات الولائمية والمآدب الاحتفالية... نراهم متوارين خلف هذه الأطر يكتبون عن الظلم... عن الاستغلال... الاستبداد... يشخصون الماسي... يصورون آلام البشر... يسلطون الأضواء على عتمة الخراب المعمم في جغرافيا الأحزان التي تسمى وطنا عربيا... وأيضا يبشرون بوجه أفضل وأجمل لوجود آخر بملامح أخرى ومقومات أخرى... هل تكفي الأوراق والريشات والصور والأقلام لإيقاف تسو ناميات الاستبداد الثاوية داخل كل حاكم جائر؟ هل تكفي مثل هذه الأدوات لإيقاف تسو ناميات الاستغلال الثاوية داخل كل رأسمالي يجوع آلاف النساء ويشرد آلاف الأطفال والرضع ؟ هل تكفينا آلاف القصص والروايات والأفلام والمسرحيات والرسومات واللوحات والأغاني والقصائد للوقوف صدا منيعا أمام زحف الموت والخراب القادمين من صمتنا ومن غطرستهم ؟ هل تكفينا جميعها لنرسم بديلا حقيقيا وصيغة أخرى لحياة من سيأتي بعدنا ؟؟؟ ربما تكفينا وتكفي أجيالا قد تتناسل من جراحنا تكفينا بالقدر الذي يُتقن واضعو هذه الأعمال وخالقيها حسن توظيفها والتمسك بالمواقف المقدمة من خلال تلك الإبداعات قد تكفينا بالقدر الذي يتحمل فيه الفنان والمبدع والمثقف مسؤوليته كاملة فيما يكتب ويصور ويعبر... بالقدر الذي يمارس فيه المبدع المثقف قناعاته الحبرية على الأرض الترابية، وأظن أنه من غير المجدي أن أذكر أسماء مثل مظفر النواب، مرسال خليفة، عبد الرحمان منيف، صنع الله إبراهيم ، جان جونيه، جون كوكتو ، محمد شكري، تيسير علوني ، غسان كنف اني ، محمد علي الحامي ، الطاهر الحداد ، رضا الجلالي... الفاضل ساسي، منوّر صمادح، جليلة بكّار... إن الثقافة تكفينا بالقدر الكافي عندما تترجل وتسير مع العاملة والعامل. تسير جنبا إلى جنب مع المزارع والمزارعة ... مع المعطل والمعطلة عن الشغل ... مع المهمش والمقصي والمفرد ... تسير معهم جنبا إلى جنب فوق الأرصفة الإسفلتية للأزقة المظلمة في المدن المثخنة بآلامها... إن الثقافة تكفينا بالقدر الذي يقف فيه المثقف في الصف الأمامي لتظاهرة شعبية... عندما نراه في الصف الأمامي لمسيرة سلمية... لتجمع عمالي من أجل حق مدني أو نقابي أو سياسي ... عندما نراه يشبك ذراعيه في الصف الأول مع عضو نقابي شاب أو مع شابة حقوقية أو طالب معطل عن العمل أو مع والدة سجين أو زوجة معتقل ... تكفينا الثقافة عندما يقف المثقف في صف الشعب... تكفينا الثقافة عندما يتحرر مثقفينا من عصبية البن وتجمعات المقاهي الرديئة والحانات الموبوءة ويترجلون داخل شرايين المدينة وفي ساحاتها العامة... تكفينا الثقافة عندما يتفق مثقفونا وفنانونا ومبدعونا على ضرورة السعي نحو تشكيل منتدىً ثقافيًا عربيًا يتوج بعد العديد من المنتديات الوطنيةوالإقليمية، منتدىً ترتفع فيه الرواية والمجموعة الشعرية والمجموعة القصصية والقيثارة والعود والريشة واللوحة وكتاب النقد والصورة الفوتوغرافية والمقالة الهادفة... وعين الكاميرا الثّاقبة... عندما يتشابك كتاب المثقف وقلمه مع ريشة الرسام ولوحته بمنجل المزارع والمزارعة وبمطرقة العامل وبقبضة النقابي وهتاف الحقوقي... عندما تتشابك هذه الأدوات سيحق لنا أن نحلم بوطن يحترم مواطنيه... عندما يفيض شارع الحمرا ببيروت اللبنانية بالمثقفين والمبدعين, أو شارع طلعت حرب بالقاهرة المصرية, أو شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة التونسية أو شارع الثورة بالعاصمة الجزائرية أو شارع الرشيد ببغداد العراقية.. أو شارع عمر المختار في الجماهيرية الليبية... عندما تفيض هذه الشوارع بالمثقفين والمبدعين والفنانين يحق لنا ساعتها أن نحلم بوطن يحاكم مجرميه... عندما تنتصب خيام عملاقة في المدن الصغيرة المتوارية خلف الجبال والهضاب أو الشاردة في الصحارى والفيافي وفي المناطق النائية التي تسمى بهتانا مناطق ظل ... ساعتها يمكننا أن نحلم بوطن ينعم كل مواطنيه بخيرات حقوله ومصانعه.
بين الحاصل بالفعل والحاصل بالقوّة يقف موقف جريء وخطوة عمليّة تُسمّى منتدى ثقافي ينأى عن التنظيمات الإداريّة والبرامج الساذجة والغايات الفئويّة... منتدى ثقافي يتحدّى واقع العولمة ليؤسّس عولمة مضادّة ترتفع فيها قامة الإنسان أعلى وتتسانق فيها قيمة الحريّة نحو ذُراها...

النجاحات التونسية

تمكّنت عدة دول في العالم من تحقيق ثروتها الصناعية ونجحت دول أخرى في تحقيق اكتفائها الذاتي في الغذاء ونجحت دول في تطوير طاقتها النوويّة، ودول أخرى من الحفاظ على توازنها البيئي، ودول نجحت في تأمين أمنها الداخلي والقومي... ونجحت منتظمات أخرى في تحقيق نسبة عالية في العدالة الاجتماعية... وجميع هذه النجاحات وغيرها تعتبر المحرار الحقيقي في زمننا المعولم لتصنيف الدول والتجمعات الإقليمية ضمن خانة التقدّم الذي يحمي الوطن أولا ويجعله مهابا من باقي الدول من ناحية ثانية...
أما نحن فقد نجحنا بامتياز لا نظير له لا في الشرق ولا في الغرب في تحويل وجهة أعناق الشعب إلى المربع الأخضر... إلى المدارج الإسمنتية والخشبية... إلى الجلد المدوّر...نجاحنا هذا ندين به أساسا إلى آلتنا الإعلامية بكل تمظهراتها، قنوات تلفزية، إذاعات، صحف، مجلات، مواقع إلكترونيّة... كلها تظافرت من أجل إبدال عمرنا الإنساني بعمر رياضيّ بحت...
الاثنين الرياضي، الثلاثاء الرياضي، الأربعاء الرياضي، الخميس الرياضي، الجمعة الرياضي، السبت الرياضي، الأحد الرياضي... العمر الرياضي!!
صرنا ننام على الكرة وعليها نفتتح صباحاتنا... في البيت، في المدارس، في المعهد، في الجامعة، في مكاتب الشغل، في المقاهي، في الحافلات، في الميترو... وفي كل شبر من البلاد صار حديث الشعب التونسي عن الكرة وعن تفاصيلها...
نلوك أحذية اللاعبين وجواربهم ليلا نهارا...ونُغرق أيامنا في عرقهم وندجّج ألسنتنا بألفاظهم السوقية.. حتى صرنا نعيش داخل ملعب كرة قدم مساحته 164 ألف كيلومتر وجماهيره أكثر من عشرة ملايين...
أنا لست ضدّ الرياضة كعنصر من عناصر تكوين شخصية الفرد وملمح من ملامح مجتمع ما... ولكنّي أمقتها عندما تتحوّل إلى نشيد رسمي الكل يعزف على أوتارها... ولو كنت مُلمًّا بكرة القدم التونسية لتمكّنت من تدوين عودة العصبية الجهويّة بين جهات البلاد ومن تدوين الهبوط الصاروخي للأخلاق التي صارت مثل الكرة تتقاذها ألسن اللاعبين على الهواء مباشرة وحصريّا بكل فخر على قنواتنا الثلاثة حنبعل وتونس سبعة وقناة21...
0وصارت حركات اللاعبين مرجعا للشباب... الشباب الذي أهمل دراسته بسبب الكرة...
والذي سلّم في حقه في الشغل بسبب «حربوشة» الكرة...
وتثمينا لهذا النجاح الباهر أقترح ضمن هذه المساحة أن تتخلّى قناة تونس سبعة مثلا عن أخبار الساعة الثامنة وتعوضها بحصة رياضية، وعلى قناة حنبعل أن تستبدل برنامج زوم على الثقافة بحصة رياضية وعلى قناة 21 أن تستبدل فوروم الشباب بنقل المباريات الرياضية وإعادتها لمزيد الاستفادة منها، بل أقترح أن ندرج في جامعاتنا العلميّة والإنسانية شهادة في الرياضة.. من أجل تدعيم نجاحنا وعزّتنا أمام تلك الأمم التي تخال نفسها تقدمت بالعدالة الاجتماعية والسلاح النووي والأمن الغذائي وحقوق الإنسان وهي لا تعرف أن الكرة جوهر التقدّم...(؟)