بحث هذه المدونة الإلكترونية

2008/04/08

نقيب المحامين العراقيين الأستاذ ضياء السعدي



هناك صراع شديد بين التنظيمات السياسية والحزبية الطائفية
تم انتخاب الأستاذ المحامي ضياء السعدي من قبل الهيئة العامة لنقابة المحامين العراقيين في 15 نوفمبر 2006 بأغلبية الأصوات وهو معروف بموقفه المناهض للاحتلال العسكري الأمريكي للعراق وكل مشاريعه وبعد إعلان فوزه بمنصب نقيب المحامين تم إقصاؤه بقرار من حكومة الاحتلال وتنصيب محام موال لسياستها... وهو ناشط حقوقي في عدة منظمات وجمعيات عراقية ودولية... التقيناه اثر زيارته الأخيرة لتونس فكان لنا معه هذا الحوار:
*ماهي ظروف عمل المحامي العراقي في ظل الاحتلال الأمريكي وما هو دور نقابة المحامين؟
ـ نقابة المحامين العراقيين تنظيم مهني مستقل يعبّر عن إرادة جميع المحامين العراقيين بغض النظر عن انتماءاتهم، واستقلالية النقابة قد تكرست تاريخيا بدءا منذ تأسيسها سنة 1933 وبعد الاحتلال العسكري الأمريكي الذي تحول إلى احتلال للقوة المتعددة الجنسيات بموجب قرار مجلس الأمن وخلافا للقانون الدولي أصبح أمام المحامين وتنظيمهم النقابي مهمات وهي تلك المتعلقة بمجابهة قوات الاحتلال وتعضيد نضال وجهود الحركة الوطنية المناهضة والمقاومة للاحتلال من اجل إنهاء الوجود العسكري المحتل والعمل على إعادة السيادة والاستقلال للعراق وبناء دولة القانون والمؤسسات الدستورية والعمل على تحقيق مبدأ فصل السلطات واستقلال القضاء وتعزيز وحماية الوحدة الوطنية العراقية والوقوف بوجه سرقة أموال العراق...
هذه المهمات التي استلهمتها النقابة من تاريخ نقابتهم المشرف خلال المراحل السياسية التي مر بها العراق وبالخصوص مواجهته للانتداب البريطاني الذي فرض على العراق بعد الحرب العالمية الأولى هو الذي دفع بقيادات العمل النقابي الخاص بالمحامين ومن ورائهم جموع المحامين العراقيين إلى التصدي للقوانين والقرارات التي أصدرها الاحتلال متمثلة بقوانين السفير الأمريكي بول بريمر، وقد انعكس هذا الموقف على مصادرة حق المحامين في اختيار من يمثلهم في قيادة النقابة حيث تم إقصاء الفائزين بالانتخابات بإرادة أكثرية المحامين واستبدالهم بآخرين رغم إرادة المحامين مما يعبر عن عدم احترام الاحتلال والمتعاونين معهم لإرادة المحامين.
* ولكن هل تصف لنا ظروف عمل المحامي العراقي في الوقت الحالي؟
ـ عندما يمارس المحامي أعماله واختصاصاته المهنية أمام القضاء والمحاكم وأجهزة الحكومة يصادف العديد من العقبات والعراقيل التي تؤدي إلى إنهاء دوره وعدم قدرته على القيام بواجباته المهنية وعند ما يرجع المحامي لمراكز الاعتقال التابعة للقوات المحتلة والأجهزة الأمنية لا يستطيع الوصول إلى المعتقلين أو المحجوزين لإجراء مقابلة معهم وتنظيم الوكالة (الإنابة) والإطلاع على الملف التحقيقي وتقديم الطلبات القانونية وهذا متأت من عدم الاعتراف بالمحاماة كركن أساسي لتحقيق العدالة وتطبيق القانون من خلال حرمان حقوق المحامين وحقوق المتهمين في توكيلهم للدفاع رغم أن هذه الحقوق مكفولة بالمعاهدات والصكوك الدولية وهذا ناتج عن التدخل العسكري الأمريكي والتدخل الحكومي في شؤون نقابة المحامين والممارسات المهنية للمحامين وهم بصدد الدفاع عن حقوقهم وان المحامين يقتلون ويتم اغتيالهم ليس فقط لأسباب طائفية أو سياسية وإنما لأسباب مهنية وتجاوز عدد المحامين الذين تم قتلهم أو اختطافهم أو حجزهم أعدادا كبيرة وهائلة وهذا ما أدى إلى حالة العزوف عن ممارسة المهنة وغلق المكاتب بسبب عمليات القتل أو التهديد بالقتل لعدم توفر الأمن الشخصي للمحامي بسبب أدائه المهني وعجز الحكومة عن توفير أدنى الحمايات لهؤلاء المحامين الذين لا يمكن ان نتصور ان تحقق العدالة والقانون دونهم لأنهم يشكلون ضمانات حقيقية في التحقيقات والمحاكمات العادلة.
* في ظل هذه الظروف كيف ترون مستقبل دولة القانون والمؤسسات التي تسعون الى بنائها؟
ـ المحامون في العراق بطبيعة تفكيرهم وتكوينهم القانوني وما تفرضه مهنة المحاماة من مبادئ فهم يسعون بالتأكيد إلى بناء دولة القانون التي أشرنا إلى بعض مقوماتها آنفا إلا أن قراءة فاحصة وموضوعية لـما يجري في العراق خلال سنوات الاحتلال الخمس يتأكد لنا بأن العراق لم يبدأ باتجاه الخطوة الأولى ذلك أن مشروع الاحتلال الذي تجلى في قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية الصادر من سلطة الاحتلال قد أسس للتقسيم الطائفي والعنصري والاثني مبكرا وتم بناء الدولة ومؤسساتها وفقا لمعايير هذا التقسيم بعيدا عن الولاء الوطني والمهنية في بناء الدولة ومؤسساتها وتشريعاتها التي صدرت من السفير بول بريمر ومن بعده الحكومات التي تعاقبت على العراق... وفي تطورات لاحقة انعكست هذه المفاهيم المتخلفة والمتراجعة على خلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار وأصبح شعب العراق جميعه بكل مكوناته في لوائح الموت والإعدام والقتل والاغتيال والظهور المرعب للجثث المجهولة الهوية وهذه استهدافات يراد منها تمزيق المجتمع العراقي وإلغاء دور القضاء الوطني المستقل للتصدي لهذه الجرائم ومعاقبة فاعليها نتيجة للتدخل الحكومي وإبعاد القضاء عن مهامه الأساسية المتعلقة بالالتزام بالقانون وتطبيقه.
إن هذه الجرائم الدموية التي لا تزال مستمرة كما هي مؤشرة في العديد من التقارير الصادرة دوليا بمنأى عن مساءلة مرتكبيها والبدء بإجراء التحقيقات القضائية تمهيدا لإحالتهم إلى القضاء بل الاقتصاص منهم جراء ما ارتكبوه من جرائم ضد الإنسانية.
* هل هناك تشبيك جمعياتي ومنظماتي مع مؤسسات المجتمع المدني العراقي والعربي؟
ـ فيما يتعلق بساحة عمل النقابات والمنظمات المهنية ومنظمات المجتمع المدني نلاحظ وجود صراع شديد ما بين التنظيمات السياسية والحزبية الطائفية بغية السيطرة على قيادات هذه المنظمات بطرق لا ديمقراطية ولا قانونية وخلافا للمعايير والأسس التي يجب ان تتكون بها هذه المنظمات، الثابت أن هناك تدخلا حكوميا وحزبيا وسياسيا وطائفيا في هذا المجال خلافا لما يجب أن تتمتع به هذه المنظمات من استقلالية وانتخاب قياداتها بإرادة حرة من منتسبيها واختيارها لبرنامجها في مجال العمل المحددة لكل منظمة.
في عراق اليوم لا توجد منظمات عاملة وفق هذه الرؤية والمعايير الدولية وإنما هناك فرض لقيادات على هذه المنظمات والجمعيات كما حصل لنقابة المحامين العراقيين والذي أدى إلى مقاطعتها وعدم الاعتراف بمن نصّبته حكومة الاحتلال ليكون ممثلا عنها وليس ممثلا لقطاعها المهم من قبل اتحاد المحامين العرب والاتحاد الدولي لنقابات المحامين بفرنسا وما أشار إليه ليناردو ديس واي المقرر لمجلس حقوق الإنسان أثناء اجتماعه في الشهر السادس من العام المنصرم في تقريره المقدم إلى الاجتماع الدوري الذي عُقد في جنيف والذي أصبح جزءا من تقرير الأمين العام للأمم المتحدة عن أوضاع المحامين والقضاء وحقوق الإنسان في العالم، ومع ذلك فإننا نعمل من اجل تطوير قدرات وامكانات المحامين العراقيين واللجوء إلى الوسائل الديمقراطية من اجل الاعتراف بالمحامين وحقوقهم الأساسية عند ما يتصدون للدفاع عن حقوق موكليهم وبكل الطرق والوسائل الأخرى، وتربط نقابتنا الآن علاقات واسعة مع العديد من المنظمات الدولية والإقليمية والعربية مثل اتحاد المحامين العرب وعمادة المحامين التونسية، وبهذه المناسبة نؤشر بتقدير عال لدور عمادة المحامين التونسية في دعم مجهودات نقابتنا والعراق تحت الاحتلال.
* في شهر افريل المقبل ستعيشون الذكرى الخامسة لاحتلال العراق هل لديكم برنامج مخصوص كهيئة مستقلة؟
ـ لقد أفرز الاحتلال العسكري الأمريكي للعراق واستمراره بانتهاكات خطيرة لحقوق شعب العراق ومن أبرزها حقه في الحياة والعيش الآمن وهذه الانتهاكات تمثلت باستمرار في عمليات القتل والتهجير الداخلي والخارجي وقوانين الإقصاء والتهميش بعيدا عن سلطة القضاء والسرقة المستمرة لثروات العراق وأمواله العامة والعدوان على الملكيات العقارية الخاصة والعامة والفساد الإداري والمالي والرشوة وانعدام المحاكمات العادلة وهدر مبدأ سيادة القانون وبروز ظاهرة الأحزاب والتنظيمات الطائفية والقومية الأبنية كمهددات خطيرة للوحدة الوطنية العراقية إضافة إلى عصابات الجريمة المنظمة التي تمارس الخطف... هذه الانتهاكات التي جعلت من العراق الدولة الأولى في عدم حمايتها لحقوق الإنسان في العديد من الدراسات والبحوث الصادرة من منظمات إنسانية وحقوقية ومنها التقرير الدولي الذي وصف العراق بأنه من اخطر الدول التي تمارس فيها هذه الانتهاكات الجسيمة قد انعكست على نقابة المحامين بضرورة اتخاذ المواقف المطلوبة باتجاهها كفروض قانونية ومهنية وأخلاقية أن تطالب اتحاد المحامين العرب وغيره من المنظمات الدولية بضرورة البحث في ضيغة قانونية تؤمن تحقيق محاكمة لمرتكبي جرائم التعذيب في سجن أبو غريب بواسطة محكمة جنائية دولية خاصة وان المحاكم العسكرية الأمريكية قد أصدرت عقوبات مسلكية لا تتناسب مع جرائم التعذيب التي وقعت على العراقيين والتي أدت إلى قتلهم اثناء التعذيب وتحت تغطية الأطباء العسكريين الأمريكيين العاملين في الجيش الأمريكي أو الذين أصيبوا بعاهات جسدية مستديمة...
وضمن برنامج نقابتنا أيضا مساءلة العناصر العاملة في الشركات الأمنية الخاصة الذين ارتكبوا جرائم قتل ضد العراقيين وعدم إمكانية مساءلتهم أمام القضاء العراقي عن هذه الجرائم المرتكبة بسبب الحصانة القضائية التي منحت إليهم بموجب القرار رقم 27 الصادر سنة 2003 الذي منع القضاء من قبول الدعاوى ضد قوات الاحتلال والشركات الأمنية الخاصة والعاملين معهم رغم أن هذه القرار يصادر حق التقاضي الذي كفلته القوانين والمعاهدات الدولية وبمعنى آخر إذا كانت قوات الاحتلال تسأل عن جرائم ارتكبت في العراق أمام المحاكم العسكرية فان عناصر شركات الأمن الخاصة التي يبلغ عددها أكثر من 48 ألف عنصر فانه عند ارتكابها لتلك الجرائم لا توجد جهة قضائية يتم مساءلتها أمامها.
كما أن نقابة المحامين تسعى أيضا إلى البحث قانونيا في كيفية استعادة الآثار العراقية المنهوبة من متاحف البلاد وتحقيق مساءلة لمرتكبي جرائم النهب وكذلك فيما يتعلق بالوضع القانوني لأكثر من 4 ملايين عراقي مهجر قسريا إلى سوريا والأردن ومصر وبقية دول العالم وما يمكن أن يقدم لهم من خلال الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة وهنالك مشروع لتحقيق مساءلة لمرتكبي جرائم القتل في العراق من خلال جهات قضائية مسؤولة باعتبار أن هذه الجرائم هي جرائم حرب وضد الإنسانية خاصة أن عدد القتلى بلغ حدود مليون و 400 ألف عراقي.
* ما هو النقابة من مشروع قانون النفط والغاز العراقي الذي سيطرح قريبا على مجلس النواب؟
ـ بررت الإدارة الأمريكية حربها على العراق بامتلاكه أسلحة دمار شامل وعلاقته بتنظيم القاعدة وفي الحقيقة أن أهم هدف مباشر للاحتلال هو الاستحواذ على الثروة النفطية ودعم وجود الكيان الصهيوني ودوره في المنطقة العربية وبالتالي فان هذا القانون يمكن الشركات الأمريكية الكبرى من السيطرة الكلية على حقول النفط العراقي المكتشفة وغير المكتشفة وإبرام عقود مشاركة طويلة الأمد من شأنها أن تفقد حق العراق في التصرف في ثروته النفطية وهذا ما يشكل تصفية لمكاسب البلاد الذي قام بتأميم النفط في السبعينيات وهذا القانون يشكل عودة للهيمنة الغربية السابقة على نفوذ العراق ويكرس النهج السياسي القائم على أساس المحاصصة وتجزئة العراق لثلاثة كيانات.
* ما هو مدى مشروعية طلب الحكومة العراقية ابرام عقود ومعاهدات مع امريكا من زاوية القانون الدولي؟
ـ رئيس الوزراء في الحكومة الانتقالية وجه رسائل إلى وزير الخارجية الأمريكي كولن باول وعرضت هذه الرسائل على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وقد صدر قرار 1511 لسنة 2003 فتحولت بموجبه قوات الاحتلال إلى قوة متعددة الجنسيات واعتبرت هذه الرسالة نوعا من المعاهدة بين العراق وأمريكا، وهذه المعاهدة تعتبر باطلة استنادا إلى المواد 52 و 53 من اتفاقية فيانا لقانون المعاهدات لسنة 1969 وتعتبر بحكم الـملغاة لأنها عقدت بنتيجة التهديد بالقوة واستعمالها خلافا لمبادئ القانون الدولي وكل ما يبنى فيما بعد فهو باطل.

يوم الأرض


لن تدور الأرض أبدا دورتها الطبيعية إن لم يدر فوق أديمها العدل دورته العادلة... ستبقى على خرابها ودمارها إن بقى ماردها الأعظم يُكبر من يشاء ويصغر من يشاء... ستظل الأرض هي الأرض غير أنها ستظل واقفة في زمنها الحربي ومعطلة في أفقها العدائي، جامدة غير متحركة إلا بكذبتها الميتافزيقية التي تنأى بأنفاس البشر بعيدا عن الطين المبلل بالعرق والمغمّس اليوم بالدم العراقي والفلسطيني واللبناني...
يوم الأرض الذي يوافق 30 من كل مارس منذ 1976، يوم مات ستة شهداء دفاعا عن الارض ويوم قرر إسحاق رابين مصادرة قرابة 20 ألف دونم من أراضي دير حنا وسخنين وعُرابة في الجليل... لم يكن يعرف أن الفلسطيني يأكل التراب ويتوسد الحجر ليعلق بأسنانه رائحة الرحم الذي أنجب جده ووالده والذي سينجب ابنه وابن ابنه ليتسامق كزهر اللوز وأبعد ويتطاول كعريش الكرمل وأجمل ويتحلى كعرجون الزيتون وأنضج فوق الأرض المخصبة بالحرية...
منذ 1948 والأرض الفلسطينية تدهسها الآلة الحربية الصهيونية وتدعكُ ترابها بلحم أبنائها من اجل إنشاء دولة مفتعلة ركيزتها المستوطنات اليهودية وترحيل الفلسطينيين وتهجيرهم إلى أصقاع الدنيا وأطراف الأرض...
الأرض الفلسطينية التي صار مركزها الصهيوني وهامشها الفلسطيني توقفت منذ زمان عن الدوران الطبيعي لأن قانون دورانها إلى اليوم مازال يتجاذبه قانون العودة لأي يهودي في العالم وقانون الغائب لكل فلسطيني مشرّد وتغذيه منذ سنوات قليلة فكرة المنظّر اليهودي «جابوتنسكي» حول الجدار الحديدي الذي عنّه ارتفع جدار الفصل العنصري منذ عام 2003 بطول 622 كلم أي ما يقابل نصف مساحة الضفة الفلسطينية وهو إلى اليوم سائر في تقدمه حيث بلغت أشغاله 300 كلم متوغلا في أراضي الضفة الغربية...
حرية حركة الأرض ودورانها إذن انتهكت بهذا الجدار الفاصل لوأد الأرض الفلسطينية وردم العدل الإنساني تحت الاسمنت العنصري المسلح الذي ترجفه الذهنية الصهيونية معززة بالآلة الإمبريالية الأمريكية العمياء... ومع ذلك مازالت الطفلة الفلسطينية والطفل الفلسطيني يغنّيان بأعلى صوتهما أن على هذه الأرض ما يستحق الحياة... وان أرضهم ستكون فلسطينية قبل ان تكون عربية لأن دوران الأرض العادل لا يعني بالضرورة أن تكون الأرض «بتتكلم عربي» بقدر ما يعني أن تكون الأرض إنسانية متوجهة بخطوات الإنسان الذي يبني لا بخطوات الإنسان الذي يدمّر ويٌُنهك التراب بالرصاص كالصهيوني والأمريكي ولا بخطوات الإنسان الذي يفقد الأرض توازنها بجوره وظلمه ولا عدله ككل حاكم طاغ ظالم متجبّر...