بحث هذه المدونة الإلكترونية

2008/03/05

سليم... دو...لا...


سليم ... دو... لا...

رغم بريق عينيه الذي يغذي تماسكي كلما التقيته...رغم " أهلا حبيبي" التي يستبقني بها كل مرة....فقد أحسست مذ عرفته أنه منذور للخلاء والوحدة...للألم والسواد والحزن...فالحزن " يكاد يكون سلاليا والألم أيضا إذ يقترن المعنى في حياتنا بالمحنة اقتران الشفاه بالأسنان"...وفي المنتظمات الماقبل حضارية يزدهر " التبذير المفرط للعنف..." وتتنازع الشوارع صفتي" الكسموفاجية" – أكلة الكون- و"الأنتروبوفاجية" – أكلة الإنسان-
منذ عرفته وهو يردد لازمته " وشحلة الوطن على الشوارع" فيطوقك بوابل من نقاط الاستفهام وهو يوشحك بحكمته: " وايش حالك يالشوارع ؟ واش حالك يالوطن؟" فلا تلبث أن تجيبه بأن احتياطي العداء المفرط لحرية المشي فوق الأرصفة الآهلة بالأرجل والأعين قد تضخم حتى تورم فصار ورما يوميا لا يترك سليما يتحرك في دولته ...في شارعه...في مقهاه وحانته...في مكتبته أو بيته...
هي ذي شوارعنا صارت تنوء بعبء الإنسان السليم...تستنكف من مشيته وهو يتأبط كتابه أو محفظته أو حتى جريدته...الإنسان الذي لم يتدرب قط على إيقاع اللكمات والركلات والكدمات المباغتة أحيانا والمقصودة دائما من الكلاب السائبة التي لا تفارق عاداتها في " التملق ولعق الأحذية العسكرية المتنكرة في الجلود المدنية والإقتباس من السلوك الحربائي بأناقة فائقة المكر لقلة الجهد فتمارس التلصص والتلوص واصطياد الفرص وكل أشكال تدبير الرأس على الطريقة التونسية الخالصة...
و"لأنه أندر من الكبريت الأحمر" ومن " أكثر الكائنات تمرسا بالألم " وفقا للمعجم النيتشوي فقد كان على جاهزية استثنائية لتحمل الخسارات الفادحة في نظر العامة وذوي القربى من أحفاد سقراط الموظف ولأنه – مثلما كتب عنه صديقه الشاعر آدم فتحي- " الوحيد الذي يصاب في ماله وجسده فيفكر في تلاميذه لعلهم لا يعاقون عن برنامجهم الدراسي...وفي كتابه الأحدث لعله لا يكون الأخير"...
لأنه كذلك وتماما لم يفاجئني وأنا أزوره في بيته مع الشاعرة يسرى فراوس وباق نرجس وهو يغمرنا بابتسامته الساخرة ويقول لي: " كادت تصدق نبوءتك يا فتى"..." ديلانو شقيق الورد" كتابه الأحدث والذي لعله لا يكون الأخير...قلت له في بيتي الصائفة الفائتة : " وكأنه الكتاب الأخير في حياتك يا سليم"
ولأن الفلسفة شكل من أشكال دق العنق وفق عبارة لويس ألتوسير فإني بت أشك في أن ديلانو بورده وسواده وسخريته وتلامذته هو المقصود بدق العنق ذاك أن " الطوفان اليومي وفائض القذائف التلفزية" وفي " لحظة تطبيع العنف" وفق عبارة آدم فتحي كلها تدجج أسلحتها البدائية والحداثية لدق عنق حرية المشي على رصيف المحطة وسط زحمة العيون الذاهبة في اللآمبالاة والفرجة ...في ساحة برشلونة ...لتصطف جميعها أحرفا في " حكايا منامات تونسية"...
سألت زميلتي عن حصانات النواب في مجلسهم فقالت: هي جمة وهم بالأخير يختارهم الشعب ...وسألت نفسي عن امتيازات حصانة المثقف في شوارع البلاد فهمست لي : هي أوهام ولكنهم بالأخير هم الذين يختارهم التاريخ...
مالذي يعني يا سليم أن يترصدوا خطواتك في شارع المحطة ويهرسوا جذعك ويزفوك لخراب المستشفيات العمومية وتعود لك بطاقة هويتك كما سلمتها ؟؟؟
مالذي يعني هذا أمام اتهامك في عقلك ودينك وديانتك؟؟وأمام سرقة كتابك ومكتبتك ...مالذي يعني هذا في ظل القرف العمومي من الشأن العمومي ؟؟
مادمت شامخا في دولتك التي أسميتها " لن " ...هل ينام في أصفر الورد بعيدا عن بياض ديلانو وحمرته:
فقد تجيء الطعنة الأولى من التمساح
قد تأتي من الأفعى أو الحرباء
حاذرهم إذن...
واحذر الكلب السلوقي أعز الأصدقاء...