بحث هذه المدونة الإلكترونية

2007/10/23

هل يجمع العالم على حق الحياة؟


بعد المصادقة على مشروع وقف تنفيذ حكم الاعدام عالميا من قبل الأمم المتحدة

أول وأهم حق في العالم، هو الحق في الحياة ثم تأتي بعده جميع الحقوق الانسانية. والحق في الحياة تلازمت معه منذ أول التاريخ عقوبة الاعدام رغم اعتراف عديد حكومات العالم بأن عقوبة الاعدام لا يمكن ان تنسجم مع احترام حقوق الانسان.وقد اعتمد المجتمع الدولي أربع معاهدات دولية تنص على الغاء عقوبة الاعدام وهي البروتوكول الاختياري الثاني للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الهادف الى إلغاء عقوبة الاعدام والذي اعتمدته الجمعية العامة سنة 1989، والبروتوكولان 6 و 13 الملحقان بالاتفاقية الاوروبية لحماية حقوق الانسان والحريات الاساسية اللذان اعتمدهما مجلس أوروبا سنتي 1982 و 2002 ثم البروتوكول الملحق باتفاقية الدول الامريكية لحقوق الانسان الهادف الى إلغاء عقوبة الاعدام والذي اعتمدته الجمعية العامة لمنظمة الدول الامريكية سنة 1990.
كما ان قانون روما الاساسي للمحكمة الجنائية الذي صادقت عليه 150 دولة يستثني عقوبة الاعدام من العقوبات التي خوّلت المحكمة بفرضها وقد اعترفت عديد الحكومات بأن عقوبة الاعدام لا يمكن ان تنسجم مع احترام حقوق الانسان ونتيجة لذلك ألغى عدد متزايد من البلدان في شتى أنحاء العالم عقوبة الاعدام في تشريعاتهم الوطنية بل ان العديد من الدول تجاوزت الالغاء وقامت بقيادة ودعم مبادرات دولية تهدف الى الغاء العقوبة تماما من العالم بأسره।

الأمم المتحدة وعقوبة الاعدام

رغم ان قرارات الامم المتحدة، منذ ان أنشئت ـ لا تزال خاضعة لسيطرة الدول العظمى ولارادتها في توجيه القرارات، الا انها تسعى دائما الى تأكيد استقلاليتها وصبغ قراراتها بصبغة عالمية وانسانية، مثل قرارها بشأن وقف تنفيذ عقوبات الاعدام، ففي سنة 2005 اعتمدت لجنة الامم المتحدة لحقوق الانسان قرارا بشأن قضية عقوبة الاعدام دعا جميع الدول التي لا تزال تطبق عقوبة الاعدام الى إلغائها كليا، وقد وقعت 95 دولة في 19 ديسمبر 2006 على بيان مشترك قدم في الدورة 61 للجمعية العامة للأمم المتحدة يؤكد دعوة الغاء عقوبة الاعدام نهائيا।ومؤخرا قدم يوم 18 سبتمبر 2007 مشروع قرار يدعو الى وقف تنفيذ الاعدام على المستوى العالمي، قدم للأمين العام يان كي مون الذي قال بشأن هذه العقوبة «أعتقد ان الحياة ثمينة للغاية وينبغي حمايتها واحترامها... وانني أرى الاتجاه المتنامي في القانون الدولي وفي الممارسات الوطنية نحو الالغاء التدريجي لعقوبة الاعدام» ومنذ ان اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 32/61 قبل 30 سنة ما انفك العالم يتحرك بثبات نحو الغاء عقوبة الاعدام مع التزام في قرارات الهيئات الحكومية الدولية بتطبيق القرار.

نداء منظمة العفو الدولية

تعتبر منظمة العفو الدولية من اهم المنظمات الدولية المعنية بحماية حق الانسان في حياة كريمة بدفاعها المستميت ضد كل اشكال انتهاك الحرمات الاساسية للانسان، وهي تبرهن دائما على تدخلها الفوري ومساندتها للمساجين والمعتقلين المحكوم عليهم بالاعدام، ومنظمة العفو الدولية هي حركة عالمية تضم 2।2 مليوني شخص ممن ينشطون في حملات بشأن حقوق الانسان ولها نشطاء في اكثر من 80 بلدا في جميع انحاء العالم ورؤيتها العامة هي ان يتمتع كل شخص بجميع الحقوق المكرسة في الاعلان العالمي لحقوق الانسان وغيره من اتفاقيات حقوق الانسان.وقد رفعت مؤخرا منظمة العفو الدولية نداء عاجلا ومناشدة عالمية لتبني قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الداعي الى إعلان وقف عمليات الاعدام في العالم بأسره والتصويت لصالحه، مؤكدة ـ منظمة العفو الدولية ـ الحق في الحياة والنص على ان الغاء عقوبة الاعدام يعتبر أمرا أساسيا لحماية حقوق الانسان وتدعو الدول التي لا تزال تطبق عقوبة الاعدام الى اعلان وقفها كخطوة أولى نحو الغاء العقوبة ودعوة الدول التي لا تزال تطبق العقوبة الى احترام المعايير الدولية التي تكفل حماية حقوق الاشخاص الذين يواجهون الاعدام.وترى منظمة العفو الدولية ان القرار بحد ذاته يمنع دولة ما من اصدار احكام بالاعدام او تنفيذها لكن السلطة التي ينطوي عليها مثل هذا القرار المنبثق عن هيئة تمثل جميع الدول الاعضاء في الامم المتحدة سيزيد من صعوبة استمرار الدول في اعدام الاشخاص وسيمهد الطريق للالغاء العالمي.

عقوبة الاعدام بالأرقام

خلال سنة 2006 أعدم ما لا يقل عن مليون ونصف المليون شخص في 25 بلدا، وحكم بالاعدام على ما لا يقل عن 861،3 شخصا في 55 بلدا وفي نفس السنة نفذت 91 من جميع عمليات الاعدام في ستة بلدان هي الصين وايران وباكستان والعراق والسودان والولايات المتحدة الامريكية، وقد سجلت الكويت أعلى عدد من عمليات الاعدام مقارنة بعدد السكان، وقد قدرت منظمة العفو الدولية عدد المعدمين في الصين سنة 2006 بمليون وعشرة اشخاص، كما يبلغ العدد التقديري للأشخاص المحكوم عليهم بالاعدام في نهاية 2006 بين 185،19 و 646،24 شخصا وهي احصائيات مستقاة من جمعيات حقوق الانسان وتقارير وسائل الاعلام والارقام الرسمية للدول।

معايير الحكم بالاعدام

غالبا ما يتم فرض عقوبة الاعدام وتنفيذها اثر محاكمات جائرة حيث تنتهك الحقوق الاساسية للمتهمين بما فيها الحق في افتراض البراءة والحق في التمثيل القانوني والحق في المحاكمة امام محكمة مستقلة ومحايدة والحق في تقديم استئناف الى محكمة أعلى، والحق في التماس الرأفة او تخفيف حكم الاعدام وغالبا ما تعرض قضايا عقوبة الاعدام امام محاكم خاصة او عسكرية تستخدم فيها اجراءات موجزة، وتنتزع اعترافات المحكوم عليهم تحت التعذيب، ولذلك اعربت المفوضة السامية للأمم المتحدة عن الاسف لاعدام كل من عواد حمد البندر وبرزان ابراهيم الحسن في بغداد، كما أطلق سراح 124 شخصا سنة 1973 في الولايات المتحدة الامريكية من المحكومين بالاعدام لبراءتهم، مثلما أطلق سراح شخص حكم عليه بالاعدام بعد ان قضى 18 سنة في السجن بعد ان تبين ان الشخص الذي

قتله لا يزال حيّا!!!

عقوبة الاعدام ليست رادعة

سنة 1996 قال رئيس جنوب افريقيا نيلسون مانديلا «لم تصل الجريمة الى مثل هذا المستوى غير المقبول بسبب الغاء عقوبة الاعدام فحتى لو أعيد العمل بالعقوبة فان مستوى الجريمة سيظل على حاله»। ولا يوجد دليل علمي صحيح يدعم الرأي القائل بأن عقوبة الاعدام تردع الجريمة بشكل اكثر فعالية من العقوبات الاخرى.ان الرادع الأقوى للجريمة العنيفة يكمن في ضمان زيادة فرص القبض على المجرمين وادانتهم لأن عقوبة الاعدام تصرف الانتباه عن معالجة اسباب الجريمة وتوفير الحلول الناجعة والفعالة لتفاديها.

الاعدام والأفق المسدود
ان كل عملية اعدام تعتبر فعلا وحشيا ينزع الروح الانسانية عن الذين ينفذونها ويلغي القيمة التي يضفيها المجتمع على الحياة البشرية، ذلك انها تضفي شرعية على فعل عنيف تقترفه الدولة ولا يمكن الرجوع عنه ولا تكرس الا تغذية روح العنصرية لأنها تستخدم بشكل جائر وغير شرعي ضد الفقراء والاقليات وأفراد المجتمعات العنصرية والعرقية والدينية المستضعفة وضد الابرياء وستظل عقوبة الاعدام تحصد أرواح ضحايا بريئة ولن تؤدي الا الى انسداد أفق انساني سلمي ما دامت هناك دول لا تزال تواصل توقيع عقوبة الاعدام وتطبيقها سرا وجهرا، ولذلك يعتبر القرار الذي صوت عليه مؤخرا في الجمعية العامة للأمم المتحدة قوة دفع جبارة وجيدة التوقيت نحو الالغاء النهائي لعقوبة الاعدام وتكريس الحق في حياة انسانية كريمة.

أفكار متقاطعة 36

حـبــل الـحــيـــاة

يظل مشهد الرأس الآدمي وهو يتدلى مثل حبة الرمان الناضجة وسط عقدة الحبل المحكمة الربط من اكثر المشاهد ايلاما ذلك ان اعدام حياة نفس بشرية تظل أقصى عقوبة تسلط باسم القانون، ولئن كانت عمليات الاعدام البشعة تنفد في السابق بشكل سري ومباغت، سواء كانت اعدامات فردية او جماعية، فاننا اليوم بتنا نتابع مشاهد الاعدامات على القنوات التلفزية بتلذذ خفي وصر الكثير من الناس يسجلون تلك الاعدامات لإعادة مشاهدتها!!! مثلما فعلت السلطات العراقية المنصّبة من قبل الادارة الامريكية بعد ان «أفرجت» عن شريط صامت يصور بدقة عملية اعدام الرئيس السابق صدام حسين حتى ما قبل لحظة شنقه!!!
وقد صارت الحكومات تتفنن في تنفيذ أحكام الاعدام، ففي ايران مازال الاعدام رجما على الزاني، وقد رجم مؤخرا في جويلية 2007 جعفر كياني حتى الموت في قرية بالقرب من طاكستان في اقليم قازوين، اما في الصومال فقد نفذ حكم الاعدام على عمر حسين على الملأ بعد ان وضع قناع على رأسه ووجهه وربط بعمود ثم طعن حدّ الموت على يدي صبي في السادسة عشرة من العمر!!!وتبقى كعادتها الولايات المتحدة الامريكية، المبشرة بالديمقراطية وحقوق الانسان، يبقى الاعدام فيها الاكثر تميّزا وحرفية، ذلك ان الامريكيين حليمون بطبعهم لذلك استنفدوا أغلب الاشكال «رحمة» بالمعدمين ومختلف الأساليب لقطع حبل الحياة، من الشنق، الى اطلاق النار على أيدي فرق الاعدام، الى غرفة الغاز والصعق الكهربائي والاعدام بالحقنة المميتة وهذه طبعا اشكال لا تطال المعدمين الامريكيين وحدهم بل ان لأمريكا الحق في اعدام الملل والنحل والشعوب والحكماء والرؤساء وكل من تسوّل له نفسه الخروج عن طاعتها...ومنذ عشرة أيام تقريبا احتفل العالم بأسره باليوم العالمي ضد عقوبة الاعدام والذي وافق يوم 10 اكتوبر، وشاهدنا المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية المنادية بوقف تنفيذ احكام الاعدام، وكانت منظمة العفو الدولية كعادتها سباقة في تنظيم التظاهرات وتوقيع المناشدات الدولية لفرض وقف عالمي على تنفيذ عقوبة الاعدام وهي التي توصلت بمعية جمعيات ومنظمات مدنية دولية ـ الى ترفيع عدد الدول التي ألغت حكم الاعدام قانونا وممارسة الي 130 دولة...واذا كان يوم 10 اكتوبر من كل سنة مناسبة للتذكير بشناعة وفظاعة عقوبة الاعدام المادية في جميع دول العالم فاننا في أوطاننا العربية المتخلفة مطالبون كل يوم من كل سنة بإدانة عقوبة الاعدام المادية أولا (في العراق 270 معدما منذ ثلاث سنوات فقط!!!) وثانيا بوقف عقوبة الاعدام الرمزية التي يمارسها الحكام والرؤساء العرب من دون استثناء على الشعوب العربية، من ذلك اعدام التداول السلمي على السلطة، اعدام استقلالية القضاء والمحاكم، اعدام علوية الدساتير والقوانين، اعدام حرية التعبير والتفكير، اعدام العمل النقابي، اعدام الاختلاف السياسي، اعدام الدور الطلائعي للمثقف، اعدام التعليم والتنوير، اعدام الأمل في الحياة...إن حبل الحياة ـ على طوله ـ قصير في بلداننا، لا، لا... انهم يصرون على جعله قصيرا ليكون خانقا أكثر... نافذا في قطع الانفاس والأرزاق والاحلام والآمال... حبل الحياة عندنا هو تماما كقطعة الحبل التي نعرفها جميعا، تلك التي أتى بها واد ساكن غائر تماما مثلما تأتينا الانقلابات السياسية والعسكرية ساكنة غادرة فتلطمنا بأمواجها المستبّدة حتى تجعلنا نحتفل بها كل سنة طول الحياة!!!